من يكتب الحلقة الأخيرة من مسلسل القطع الجائر للأشجار الحراجية على الطرقات بين المحافظات؟
من يسافر من حمص إلى طرطوس، فاللاذقية، وما بين اللاذقية وحلب وحمص وحماة ومصياف وطرق أخرى، يشعر بالألم وهو يرى مئات الأشجار المقطوعة على جانبي الطريق يزيد عمر بعضها عن الـ 40 عاماً.. إنها جرائم يومية ترتكب بحق الشجرة، لتزيد الحرب الطين بلّة بعد أن أكلت وأحرقت الأخضر واليابس، ولعلّ أوتوستراد حمص طرطوس هو المنطقة الأكثر تعرضاً للقطع، والمشكلة أن هذه العمليات لا تتمّ بشكل إفرادي وإنما هناك مجموعات مختصة تزاول تجارة رابحة رأسمالها “منشار وعدة ليترات من البنزين”، والحجة واحدة وحاضرة عند الأفراد والجماعات “نقطع لأجل التدفئة..!!”.
للأسف، الواقع يشير إلى عكس ذلك، فلو توقف الأمر على بضعة أشخاص يقطعون لتأمين الحطب للتدفئة لكان الأمر هيّناً، لكن أن يصل الحال إلى وجود مجموعات منظمة وتتخذ من قطع الأشجار مهنة لها عبر سيارات كبيرة وصغيرة ودراجات نارية، فالوضع يثير أكثر من سؤال عن دور الجهات المسؤولة عن حماية الحراج والغابات؟؟!.
في الليل والنهار!
من خلال سؤال العديد من أهالي القرى الواقعة على جانبي أوتوستراد حمص طرطوس ومناطق أخرى في ريف محافظة حمص، أجمعوا أن حركة قطع الأشجار ناشطة ليلاً، وحتى نهاراً، حيث لا يهدأ أصحاب الدراجات النارية وهم ينقلون الحطب عبر قصه بالمنشار اليدوي أو الذي يعمل على البنزين، وعن الأسعار علمنا من البعض أن سعر كيلو غرام الخشب المقطوع يتراوح ما بين 700 إلى 800 ليرة، أي أن طن الخشب يصل ثمنه من 700 إلى 800 ألف ليرة، وربما أكثر في المناطق الحدودية القريبة من لبنان.
وبحسب البعض فإن عمليات القطع ناشطة في كل الفصول، ما يهدّد نمو الأشجار، وموتها وهي غضّة في فصل الربيع الذي تتجدّد فيه الأغصان بحيث لا تقوى على مقاومة المنشار، عدا عن الحرائق المفتعلة من أجل التفحيم.
رأي الجهة المعنية
في معرض ردّه على تساؤلات “البعث” حول ما يُرتكب من جرائم بحق الأشجار الحراجية على الطرق الرئيسية التي تربط محافظة حمص بالمحافظات الأخرى والطرق الواصلة بين مدنها ومناطقها الريفية، وخاصة في الريف الغربي، قال المهندس فرج المحمود رئيس دائرة الحراج في مديرية زراعة حمص: بصراحة لا يمكن أن ننكر ما يجري من قطع جائر للأشجار، فهذه حقيقة مرّة واقعة، ونحن نعمل جاهدين وحسب الإمكانات المتاحة للقضاء على هذه الظاهرة نهائياً، وليس فقط الحدّ منها، مشيراً إلى تسجيل أكثر من 451 ضبطاً حراجياً خلال الفترة الماضية من العام الجاري، ومصادرة 18 سيارة شحن و56 دراجة نارية وجرارين زراعيين.. كلها كانت تنقل أخشاباً حراجية، وتمّ ذلك بمؤازرة شرطة المدينة في كثير من الحالات، فيما بلغ عدد الدعاوى المسلّمة لقضايا الدولة 276، حُسم منها 186 ضبطاً حراجياً، منها 165 ضبطاً لمصلحة مديرية الزراعة و53 دعوة لمصلحة الخصم، موضحاً أن هذا العمل أتى نتيجة تكثيف المراقبة في المناطق الحراجية مما أدى إلى الحدّ كثيراً من عمليات قطع الأشجار، والعمل جارٍ للقضاء عليها نهائياً.
دور المجتمع الأهلي
ولفت فرج إلى إشراك الأهالي في قمع هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدّد غاباتنا، حيث أشار إلى تشكيل لجان تضمّ عناصر من مديرية الحراج ورجال الشرطة وعدد من فعاليات المجتمع الأهلي والبلديات، وذلك بهدف المساعدة في مراقبة من يقطع الأشجار على جانبي الطرقات أو في أي مكان آخر بهدف التجارة والتبليغ عنه ليلقى جزاءه، مشيراً إلى أن هذا التعاون كان مثمراً، حيث تمّ القبض على عدد من الأشخاص الذين كانوا يقطعون الأشجار الحراجية ليلاً من جانبي طريق منطقة الفوسفات، وسيتمّ العمل على تعميم هذه التجربة في باقي المناطق التي تكثر فيها الأشجار الحراجية.
ترمم نفسها بنفسها
وحول خطة المديرية في إعادة تحريج المناطق التي تأثرت بالقطع، بيّن فرج أن الطبيعة في كثير من الأحيان تعمل على ترميم نفسها بنفسها ودون تدخل الإنسان، ومن حسن الحظ – حسب قوله – أن الكثير من أنواع الأشجار الحراجية بعد قطعها عادت ونبتت من جديد، ونحن نؤمّن لها الرعاية والاهتمام ومنع التعدي عليها ثانية لتصبح شجرة كبيرة كما كانت عليه قبل الاعتداء عليها وقطعها، أما في المناطق التي لا جدوى من نمو الأشجار فيها من جديد، فإن مديرية الزراعة بالمحافظة تعمل على زرع أشجار جديدة، وخاصة بمناسبة الاحتفال، فمثلاً تمّ خلال هذا العام إعادة تشجير مدخل مدينة حمص الجنوبي (غابة 8 آذار) على طريق أوتوستراد حمص – دمشق بزراعة ألف غرسة حراجية على مساحة 15 دونماً لتعويض التعديات الحاصلة على هذه الغابة.
شق طرق حراجية
وبيّن رئيس دائرة الحراج أن القطع الجائر ليس وحده المسؤول عن تهديد الأشجار الحراجية، بل هناك الحرائق التي تتعرّض لها الغابات الشجرية، وخاصة المفتعل منها من قبل أشخاص لا مبالين، لافتاً إلى أن مديرية الزراعة عملت على شق طرق حراجية بطول أكثر من 20 كم، كما تمّ ترميم خطوط نار بطول يزيد عن 571 كم هذا العام، وذلك بهدف سرعة الوصول إلى أماكن الحرائق وإمكانية إطفائها بالسرعة القصوى.
بالمختصر.. ظاهرة قطع الأشجار الحراجية باتت تشكّل خطراً كبيراً على ثروتنا الحراجية المنهكة بالأساس من الحرائق، لذا لا بدّ من التأكيد على العمل الجاد لمحاربة هذه الظاهرة من خلال تعديل القوانين والأنظمة الرادعة بفرض أشد العقوبات بحق من يقدم على القطع دون الإحساس بالمسؤولية، وضرورة مشاركة المجتمع المدني وكل الفعاليات بهدف حماية غاباتنا التي لم يكن يمسّها أحد قبل سنوات الحرب!.
راسم الوعري