بعد معاناة طويلة.. القانون رقم 38 يضع التعليم المهني على المسار الصحيح
لم تبارح النظرة القاصرة للتعليم المهني خلال العقود الماضية أذهان الدارسين فيه، سواء طلبة الثانوية المهنية أو حتى من يلتحقون على مضض بدراسة المعاهد المهنية، فدائماً كان وما زال يوصف بأنه مأوى للفاشلين دراسياً، الأمر الذي شكّل عقدة نقص عند كل من يدرس فيه، أو يفكّر بالدراسة، وبحسب الإحصائيات هناك نسب تسرّب كبيرة في الصفوف الثانوية، وفي المعاهد زادت عن الـ80%، والمشكلة الأخطر أن هذه الأرقام لم تحرّك أو تدفع وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي لاتخاذ أي إجراء عملي يحفز طلبة التعليم المهني ويجعلهم يشعرون بالأمان وهم على مقاعد الدراسة أو بعد التخرج!.
ورشات عمل وجولات
كل ما كان يحصل هو جولات ميدانية لتحفيز الطلبة، وإقامة ورشات عمل وندوات تضمنت عشرات المقترحات في محاولة لإنعاش هذا النوع من التعليم، لكن للأسف لم تخرج تلك المحاولات من إطار الحبر والورق إلا ما ندر، قياساً للإجراءات المتخذة على الأرض فيما سبق من سنوات. وتأكيداً لذلك وبالعودة إلى الماضي ذكر التقرير الوطني للتنمية البشرية الذي كان تحت عنوان التعليم والتنمية البشرية نحو كفاءة أفضل لعام 2005 “أن واقع التعليم المهني في المدارس وفي المعاهد مرير للغاية مما جعل قيمته تتدنى وطلابه يعزفون عن متابعة الدراسة، لدرجة أن هناك شكاً كبيراً في مدى إيمان القائمين عليه بالاهتمام به”، ومنذ ذلك التاريخ ولغاية اليوم ما زال التعليم المهني في مدارسنا وحتى في المعاهد مستهلكاً وغير منتج، علماً أن هناك موازنات جيدة ترصد له. ولعلّ المتابع للسياسات التربوية والجامعية يجد أنها تعثرت خلال السنوات العديدة الماضية في معالجة مشكلات التعليم المهني والتقني، بدءاً من النظرة القاصرة له وصولاً للفشل في توظيف المخرجات، وهناك من يرى أن هذه النتيجة السلبية طبيعية طالما تمّ وضع التعليم المهني في ذيل معدلات القبول، أي من يحصل على معدلات أدنى يكون مصيره التعليم المهني في المعاهد، وكأننا نقول للطالب “أنت كسول وهذا هو مستواك، عامل مهني في ورشة حدادة أو نجارة أو غيرها من الحرف والمهن الصناعية”، علماً أن هذا النوع من التعليم يحظى بكل الاهتمام والاحترام في البلدان المتقدمة، ويشكّل أكثر من 80% من نهضتها المتقدمة في مختلف المجالات.
رفع سوية الخريجين
على خلفية الواقع السابق غير المرضي للتعليم المهني ندرك مدى أهمية القانون رقم 38 لعام 2021 الذي أصدره بالأمس السيد الرئيس بشار الأسد الخاص بالتعليم الثانوي المهني، ويهدف إلى تنظيم مساره وتأمين كوادر عاملة تلبي احتياجات سوق العمل من مختلف المهن، وتأمين التدريب للطلاب في بيئة العمل الحقيقية عن طريق إحداث مراكز تدريب وورشات إنتاج خاصة بالثانوية المهنية بغية رفع سوية خريجيه من الناحية العلمية والعملية، وصولاً إلى المساهمة في دعم العملية الإنتاجية وتحقيق التنمية المستدامة، وذلك وفق ما هو وارد في نص القانون، ولا شك أن الكرة الآن في ملعب وزارة التربية التي يجب أن تستنفر للعمل على تنفيذ أهداف القانون كما حُدّدت بالمادة العاشرة منه، وخاصة لجهة ما يتعلق بربط خطط التعليم المهني بخطط التنمية الاقتصادية لتلبية متطلبات الحاجات المتجددة لتنمية الاقتصاد الوطني، وتعزيز التكامل بين الدراسة النظرية والدراسة العملية التطبيقية، وإكساب الطلبة مهارات التفكير العلمي والتعلّم الذاتي لتمكينهم من تنمية قدراتهم والاستمرار في التجديد والابتكار، وتعزيز مبدأ الجودة في العمل وقيم العمل الجماعي، وتهيئة طلاب التعليم المهني للاندماج في سوق العمل والإسهام فيه من خلال الفهم الصحيح لدور الفرد في المجتمع، إضافة إلى الأهداف الأخرى التي لا تقلّ أهمية.
قلة الكوادر!
وبحسب وزير التربية الدكتور دارم طباع في تعليقه على صدور القانون أكد أنه “سيتيح للطلاب دخول سوق العمل إضافة إلى إمكانية متابعة تعليمهم العالي وفق شروط ومعايير القبول المعتمد، ما يحسّن من رغبة الطلاب بالتوجّه إلى هذا النوع من التعليم ويؤمن اليد العاملة وينعكس بالمجمل إيجاباً على الإنتاج في مختلف المجالات”. وللعلم يضمّ التعليم المهني في سورية أكثر من 25 اختصاصاً، أهمها التكييف والتبريد والخراطة والميكانيك، ومهن كهربائية تلاقي إقبالاً من الطلبة، أما باقي التخصصات، فهي تعاني حيث عدد الطلبة فيها قليل جداً، مع وجود حاجة لافتتاح تخصصات جديدة تناسب متطلبات السوق وتواكب عجلة العمل والإنتاج وتدعم الاقتصاد الوطني، وبالمجمل يشكو التعليم المهني من قلة الكوادر التدريسية الخبيرة المتخصصة، والتي هاجر عدد منها خلال سنوات الحرب وهذا ما ترك أثراً سلبياً على طلبة المدارس المهنية.
تنسيق وتشاور
بقي القول إن القانون مهمّ للغاية وقادر على وضع التعليم المهني على السكة الصحيحة وتحقيق نهضة حقيقية تساهم في البناء وإعادة الإعمار، وبما أن العملية التعليمية متكاملة، فعلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تلاقي وزارة التربية في هذا التوجّه وتنسقان معاً من خلال التشاور ما بين لجنة التعليم المهني المركزية التي نصّ على تشكيلها القانون، والمجلس الأعلى للمعاهد التقانية، وذلك بهدف دعم التعليم المهني في المدارس وفي المعاهد التقانية المهنية والفنية بكل متطلبات ومستلزمات النجاح وتغيير نظرة المجتمع إليه، وبالنتيجة خلق بيئة تمكينية تعزّز القدرات المهنية للطلبة وتعزّز ثقتهم بأنفسهم وتحفزهم وهم على مقاعد الدراسة وبعد التخرج لإثبات الكفاءة والتميّز في سوق العمل انطلاقاً من دور التعليم المهني الرائد في النهوض بواقع المجتمعات والارتقاء بها في مختلف المجالات الصناعية.
يُشار إلى أن المادة 21 من القانون نصّت على أن “يلغى المرسوم التشريعي رقم 13 لعام 1994 م، ولا تطبق أحكام المرسوم التشريعي رقم 39 لعام 2001 م على الثانويات المهنية في الوزارات كافة”.
غسان فطوم