رسائل لقاءات طهران والرياض
علي اليوسف
بعد اللقاءات الخمسة بين كبار المسؤولين الايرانيين والسعوديين، تشير المعطيات إلى بدء ذوبان جليد العلاقات بين الجانبين، لكن يبقى من غير المحتمل أن يصل الأمر إلى مستوى بناء تحالف وثيق بين الرياض وطهران حتى يتم ايجاد مخارج حقيقية للملفات الشائكة الكثيرة بينهما. ومن أهم هذه الملفات الحرب على اليمن، إذ لا يمكن إنهاء الحرب وتحقيق رؤية 2030 وجذب استثمارات جادة إلى السعودية دون وجود تهدئة مع إيران. صحيح أن دعم إيران للحوثيين ذا طابع سياسي فقط، إلا أن الرياض ترى أن حربها مع ايران، وهذا تصور خاطىء، لأن إيران غير قادرة على إصدار أوامر للحوثيين بشأن ما يجب عليهم القيام به تجاه سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها التحالف السعودي في اليمن.
لذلك، تؤكد الوقائع أنه مع انسداد أفق العدوان في اليمن، وفشل مهمة مبعوث الأمم المتحدة، واستمرار العجز في حسم الحرب عسكرياً، ومواصلة الحوثيين استهداف العمق السعودي بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وأسباب أخرى، اضطرت الرياض التي تتحمل العبء العسكري والمالي الأكبر في الحرب للنظر في احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية مع الحوثيين من خلال التفاوض، وهو ما يمكن أن تلعب فيه إيران دور المشجع.
بالإضافة إلى هذا السبب، تمتلك الرياض أيضاً سبباً وجيهاً آخراً في تعديل استراتيجيتها الجيوسياسية يتمثل في وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما أدى إليه ذلك من قلق حيال خطوات واشنطن الرامية إلى تقليل تواجدها في الشرق الأوسط، وبأن الولايات المتحدة ليست بالضرورة مهتمة وراغبة في بذل جهود كبيرة لحماية حلفائها في المنطقة.
وهنا من الممكن أن يكون “الخوف من سياسة بايدن” كلمة سر محادثات إيران والسعودية، ودافعا رئيسيا لكل الأطراف الإقليمية للتفاوض المباشر والتحاور فيما بينها، وأن تعالج مشاكلها بنفسها ولا تعتمد على دور أمريكي يساهم في استقرار المنطقة، لأن الولايات المتحدة بوجود بايدن لا تساهم في الاستقرار، على العكس تماماً هي تهدد وتقوض أمن واستقرار المنطقة، وربما يكون ذلك أيضاً أحد الدوافع لدول عربية للذهاب للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإقامة علاقات معه.
لذلك، يأتي دخول الرياض بالوساطة العراقية والجلوس مع الإيرانيين لأول مرة منذ 5 سنوات، في سياق أوسع من المتغيرات التي طرأت على السياسة السعودية، ومنها الانفتاح أكثر على التعاون مع روسيا والصين، وإقامة علاقات تعاون مع دول حليفة لإيران مثل العراق. ورغم ذلك لا يتوقع وصول ايران والمملكة السعودية إلى تفاهمات سريعة، بسبب التباين في رؤية كل منهما لمصالحه في الملفات المختلف عليها، لكن ينظر الى تخفيض مستوى حدة الحملات الإعلامية بينهما على أنه دلالة على رغبتهما في التوصل إلى حلول “توافقية” للقضايا العالقة ومعالجة الملفات الخلافية، واحتمالات تقديم تنازلات متبادلة.