أمريكا في ذيل الديمقراطيات وفي مقدمة الدول المنتهكة لحقوق الانسان
هيفاء علي
أشار أحدث تقرير صادر عن المعهد الدولي للديمقراطية ومساعدة الانتخابات، ومقره استوكهولم، حول الديمقراطيات في العالم، الى أن اسم الولايات المتحدة الامريكية جاء ضمن قائمة “الأنظمة الديمقراطية المتراجعة”، وهي المرة الأولى في تاريخها. وعزا التقرير الأسباب الى التدهور المسجل في النصف الثاني من ولاية دونالد ترامب، وعلى وجه التحديد ” المنعطف التاريخي” الذي شكلته احتجاجات ترامب على نتائج الاقتراع الرئاسي في تشرين الثاني 2020، والتراجع في نوعية حرية التجمع خلال الاضطرابات في صيف نفس العام عقب مقتل جورج فلويد على أيدي الشرطة الأمريكية.
ولفت ألكسندر هاستن، أحد معدي الدراسة الى أن مرحلة التراجع بدأت عام 2019، وأن التراجع المسجل مرتبط بانخفاض مؤشرات البلاد فيما يخص الحريات المدنية والاشراف على عمل الحكومة. من جهته، أشار الأمين العام للمعهد، كيفن كاساس، الى أن التدهور الواضح للديمقراطية في الولايات المتحدة كما يشهد الميل المتزايد على نتائج الانتخابات، والجهود التي بذلتها إدارة بايدن لإلغاء المشاركة والاستقطاب الجامح، هي من أكثر التطورات المثيرة للقلق بشأن الديمقراطية على الصعيد العالمي. هذا طبعاً بالإضافة الى انتهاكات حقوق الانسان داخل وخارج الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أصدرت الصين تقريراً مفصلاً ومطولاً عن وضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال عام 2020، هذه أهم النقاط التي جاءت فيه: “في عام 2020، أثارت جائحة كورونا فوضى عارمة على مستوى العالم برمته مشكلة خطراً كبيراً على أمن البشرية، بيد أن الولايات المتحدة، التي طالما اعتبرت نفسها استثناء وفوق الجميع، شهدت خروج الوضع الوبائي فيها عن السيطرة، وهو ما ترافق مع اضطرابات سياسية وصراعات بين العرقيات المختلفة وانقسامات اجتماعية. كما فاقمت الجائحة من انتهاكات حقوق الإنسان في البلد، الذي يزعم أنه منارة الديمقراطية. خرج الوباء عن السيطرة وتحول إلى مأساة بشرية بعد الاستجابة المستهترة من جانب الحكومة”.
بنهاية شباط عام 2021، مثلت الولايات المتحدة، التي يقطنها أقل من 5 بالمئة من سكان العالم، أكثر من ربع حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 حول العالم، وقرابة خُمس إجمالي وفيات العالم جراء المرض، حيث حصد الفيروس أرواح أكثر من 500 ألف مواطن أمريكي. وبالتالي، أفضى الاضطراب في النظام الديمقراطي الأمريكي إلى فوضى سياسية، ما أدى إلى استمرار تمزق النسيج المجتمعي. فالسياسة الملطخة بالمال شوهت الرأي العام وقمعته، محولة الانتخابات إلى “عرض فردي” للطبقة الثرية، وهوت ثقة الشعب في النظام الديمقراطي الأمريكي إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً.
وعلى وقع الاستقطاب السياسي المتنامي، تحولت سياسة الكراهية إلى طاعون وطني، وتعرض مبنى الكونغرس للاقتحام خلال أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات. كما عانت مجموعات الأقليات العرقية تمييزاً عنصرياً ممنهجاً وباتت في وضع عسير، حيث يشكل القاصرون من الملونين زهاء ثلث القاصرين الذين هم دون سن الـ 18 عاماً في الولايات المتحدة، لكنهم مثلوا ثلثي جميع القاصرين المحبوسين في البلاد. كما أن الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية أكثر عرضة من البيض بثلاثة أضعاف للإصابة بالعدوى وبواقع ضعفين للوفاة وأكثر احتمالية بثلاثة أضعاف للقتل على يد الشرطة، وهناك واحد من كل أربعة شباب أمريكيين من أصول آسيوية كان هدفا للتنمر العنصري.
كما سجلت تجارة السلاح وحوادث إطلاق النار مستوى قياسياً، وتراجعت ثقة الشعب في النظام الاجتماعي. وعلى وقع الوباء الخارج عن السيطرة في الولايات المتحدة وما صاحبه من احتجاجات من أجل العدالة العرقية وصراعات ذات صلة بالانتخابات، اشترى الأمريكيون 23 مليون قطعة سلاح خلال عام 2020، بزيادة بلغت 64 بالمئة مقارنة مع عام 2019. ووصل عدد مشتري السلاح لأول مرة إلى أكثر من 8 ملايين شخص. وقُتل ما يربو على 41500 شخص في حوادث إطلاق نار في أنحاء الولايات المتحدة خلال العام الماضي، بمتوسط يزيد على 110 أشخاص يومياً. وكان هناك أيضاً 592 حادث إطلاق نار جماعياً في أرجاء البلاد، بمتوسط يربو على 1.6 حادث يومياً.
هيمن شبح الجائحة الخارجة عن نطاق السيطرة على عقول الأمريكيين العاديين، وأثر رد فعل إدارة ترامب إزاء الجائحة سلباً على الأمريكيين أكثر من الفيروس ذاته، وهو ما ترك الناس في حالة من التوتر والعزلة. وفي دراسة نشرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في 14 آب عام 2020، فإنه نظراً لأوامر البقاء في المنزل، فإن 40.9 بالمئة من البالغين قالوا إنهم تعرضوا لحالة صحية عقلية أو سلوكية سلبية واحدة على الأقل، بينما ذكر 30.9 بالمئة أنهم شعروا بالتوتر أو الاكتئاب، ولا تشكل هذه الأرقام سوى قمة جبل جليدي. كما أظهرت ذات الدراسة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن 13 بالمئة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم من قبل المراكز خلال ذات الفترة قالوا إنهم بدأوا أو زادوا من تعاطيهم للمواد المخدرة، وأن 11 بالمئة فكروا جدياً في الانتحار.
وفي تقرير نُشر يوم 4 تشرين الثاني عام 2020 على موقع صحيفة “ذا غارديان” فإن الولايات المتحدة ستظل دولة منقسمة على نحو حاد، وأن سياسات الغضب والكراهية ستكون هي الإرث. ومع توجيه اتهامات بأن الانتخابات شهدت العديد من أعمال التزوير، رفض المعسكر الجمهوري المهزوم قبول نتائج الانتخابات الرئاسية، وتحول الخلاف الانتخابي إلى أعمال شغب في نهاية المطاف.
أثارت الفوضى السياسية في واشنطن صدمة لدى العالم، ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية تلك الفوضى بأنها المرة الأولى في التاريخ الأمريكي الحديث التي يتحول فيها انتقال السلطة إلى قتال حقيقي في ممر السلطة بواشنطن. واتهمت العنف والفوضى والتخريب بإصابة الديمقراطية الأمريكية في الصميم وتوجيه ضربة قوية لصورة أمريكا كمنارة للديمقراطية. وذكرت مجلة “فورين بوليسي” أن الولايات المتحدة تحولت إلى ما اعتاد قادتها إدانته: “عدم القدرة على تجنب العنف والتدمير الدموي خلال نقل السلطة”.
ومع قدوم بايدن للسلطة، بات التمييز الاجتماعي ضد الأقليات العرقية متفشياً بشكل خطير، حيث وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة “ذا وول ستريت جورنال” وشبكة “إن.بي.سي نيوز” أن 56 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن المجتمع الأمريكي عنصري وأن السود واللاتينيين يتعرضون للتمييز.
حتى انعدام المساواة بين العرقيات ازداد تفاقماً، حيث كشف باحثون من جامعة شيكاغو وجامعة نوتردام، أن معدل الفقر في الولايات المتحدة قفز بواقع 2.4 نقطة مئوية، وارتفع معدل الفقر بين الأمريكيين الأفارقة بواقع 3.1 نقطة مئوية. وأظهرت الإحصاءات أن متوسط ثروة الأسرة البيضاء يعادل 41 ضعفاً لمتوسط ثروة الأسرة المنحدرة من أصل أفريقي، ويوازي 22 ضعفاً لمتوسط ثروة الأسرة المنحدرة من أصل لاتيني.