سامر محمد إسماعيل ضيف جلسة إصدار
احتفاء بمرور عشرين عاماً على احترافه الكتابة وحصوله على جوائز دولية، وبتنوع تجربته الكتابية بين الشعر والقصة والمسرح والسينما التي شكّلت جانباً هاماً من تجربته الإبداعية، فأغنت سيناريوهات أفلامه القصيرة والطويلة مثل “نهري بحري” و”حنين الذاكرة” و”يحدث في غيابك”، وغيرها، إضافة إلى إبداعه المسرحي “بليلي داخلي” و”تصحيح ألوان” و”مؤخراً كاستينك”، كان سامر محمد إسماعيل ضيف جلسة إصدار في المركز الثقافي في كفرسوسة، وقد ركز الإعلامي ملهم الصالح على فعل الكتابة وتنوعها لدى إسماعيل كموضوعة تمتد إلى الشأن الثقافي والعام؛ فبدأ من توقيعه بالاسم الثلاثي، ليجيب إسماعيل بأن المنطقة العربية تقدس قبور الآباء والأجداد، فكيف لا يكتب اسم الأب الغائب الحاضر الذي ربى عشرة أبناء بجلده وأظافره، وفي الوقت ذاته لتشابه الأسماء.
وتابع عن بداية خربشات الكتابة التي كانت بالنسبة إليه “لعبة طفولية”، ففي حيّ الميدان حارة (ضهر الحفار) في بيئة فقيرة، نشأ سامر محمد إسماعيل ودرس في أجواء بسيطة جداً، فلم تكن لديه أية هواية إلا لعبته المفضلة القراءة والكتابة، التي دفعته لشراء الورق، وإخفائه، بجزء من ثمن اللبن. ثم أشاد بدور المنظمات المؤثر في أبناء جيله بدءاً من منظمة طلائع البعث، إلى الشبيبة التي قادته إلى مسرح مدرسة الكواكبي، ليسطر على كيانه هذا الحلم الساحر، فكانت أول خطوة بتأسيسه فرقة أنصار المسرح عام 1996، وتقديمه مسرحيته “من إلى حدّ الصراخ” وعرضت على مسرح المعهد العالي للعلوم السياسية في التل.
درس سامر محمد إسماعيل الصحافة بعد أن قدم للمعهد العالي للفنون المسرحية إلا أن اللجنة رأت أن المعهد لن يضيف له شيئاً، فعزز ثقافته من خلال استضافته في المعهد العالي الإفريقي في تونس، وخلال سنوات الدراسة كان يكتب في جريدة تشرين.
بنية الشارع السوري
سأله الصالح لماذا تكتب؟؟
أكتب كي أكتشف نفسي، فكلما تنبش وتبحث تعرف أكثر عن نفسك، وعملية البحث لا تنتهي، والكتابة بحاجة إلى تمرين متواصل وصبر. وأكتب للآخر الذي يقرأ، وقلة من يقرؤون، لذلك أؤمن بالأقلية الهائلة، وأحب أن أكتب عن النساء لأن العالم الداخلي للمرأة أكثر غموضاً وثراء من الرجل، رغم أنني لا أفصل بين الرجل والمرأة.
أما عن طقوس الكتابة الخاصة به، فأوضح إسماعيل بأنه يعيش في منطقة العشوائيات ومعتاد على الكتابة وسط الأصوات والضجيج، كما يكتب في المقاهي الشعبية وهو يسمع أصوات المارة التي تعكس بنية الشارع السوري الكثيفة الخلاقة المكوّنة نسيج المجتمع السوري المتنوع، فيحاول أن يطارد الموضوعات التي يكتبها ولا يعرف أن يكتب إلا في دمشق لأنها لا تشبه أية مدينة أخرى.
قراءة الطريق
ليتوقف الصالح بسؤاله: هل الكتابة عصيّة؟؟
فيجيب: هي ومضة بارقة تكون نواة لنص، ومضة يراها الفنان والأديب والكاتب تفتح كوة لعوالم جديدة، وتجعلنا نمارس القراءة، قراءة الطرقات، قراءة الأصدقاء، قراءة وإدارة حوار مع الآخر، فالقراءة حالة تأمل هي تفكير دائم تبدأ من الرأس ومن ثم تتجسد بالصياغة.
وعن استخدام التقنيات الحديثة بالكتابة تابع: بعد أن فرضت الصحف والدوريات إرسال المواد مطبوعة، أصبحتُ أستخدم الورق لكتابة الخطوط العريضة ووضع خطة ومن ثم أكتب على الكمبيوتر بسرعة كبيرة، حيث تلاحق أصابعي أفكاري.
اللغة الثانية
كما تطرق الصالح إلى أهمية اللغة الثانية بتعدد المصادر للكاتب، فخالفه إسماعيل الرأي، فاللغة الثانية ليست أساسية وليس من الضروري قراءة أمات الكتب بلغتها، فجبرا إبراهيم جبرا ترجم لشكسبير بلغة جميلة جداً، واللغة العربية بحر شاسع مترامي الأطراف، وأنا أنحاز إلى اللغة العربية، وكثير من الكتّاب بقوا ضمن دائرة لغتهم الأم، فمن الضروري معرفة لغة ثانية وأنا ألّم باللغة الإنكليزية.
البنية الكتابية
المحور الأساسي بجلسة إصدار، والذي يناسب مسارها، كان بالحديث عن التجربة الشعرية لإسماعيل من خلال مجموعتيه “متسوّل الضوء” و”أطلس لأسمائك الحسنى”، فتوقف الصالح عند التباين بالأسلوب الشعري بينهما وبالمضامين، مستعرضاً بعض عناوين مجموعة “متسوّل الضوء” التي وصفها بالصادمة “القط أكل عشائي، أنفاس أبي النائم- عيون في مجرة مطفأة” ورأى أن الرؤية التشاؤمية تغلب على المجموعة، إضافة إلى غياب الهمّ اليومي وهوية المكان، والاشتغال على تعريفات خاصة وحضور عقدة أوديب، بينما اختلفت بنية الكتابة في “أطلس لأسمائك الحسنى” فجاءت بنص شعري واحد على مدى صفحات المجموعة، نلمح فيها هوية المكان وتفاصيل دمشق والواقع اليومي، فعقب إسماعيل بأنه كان يحب القصيدة الدرامية الفجائعية، ثم تلمس لغة أخرى بقراءة الواقع في مجموعته أطلس لأسمائك الحسنى وهي أشبه بكتاب شعري.
خارج حارات دمشق
تجربته بالدراما التلفزيونية أخذت حيزاً من الجلسة بمناقشة كتابته مسلسل “ضيوف على الحب”، إخراج فهد ميري، وتقاطعه مع نصه لفيلم “سلم إلى دمشق” الذي أخرجه محمد ملص، ولم يقدم فيه إلا قرابة 30% من النص لاعتبارات إنتاجية كما ذكر إسماعيل، مؤكداً بأنه لا يتدخل بالإخراج أبداً ويترك زمام الأمور للمخرج.
وانتقل الصالح إلى الشأن الثقافي العام، بسؤاله: كيف نصل إلى كتابة ملأى بالنصوص؟ وهل أزمة النص مزمنة؟
برأيي أن أحيّد العقل وأفكر بكل الحواس باللاوعي، وأرى بأنه لا توجد لدينا أزمة، المشكلة بتشخيص الأزمات، المشكلة بالإدارة الثقافية فمعظم من يدير الحالة الثقافية هم موظفون يفكرون بعقلية الموظف، إضافة إلى ضعف الإمكانات المادية على سبيل الذكر، العاملون بالمسرح ينفقون من جيوبهم ليحضروا البروفات ويتابعوا مشروعهم، لابد من تدخل الدولة باستراتيجية الثقافة ودعمها ودعم المبدعين واحتضان المواهب الشابة.
كما حفلت جلسة إصدار بشيء من الشجون يتعلق بمسيرة سامر محمد إسماعيل الذي أصرّ على تحقيق حلمه باحتراف الكتابة متجاوزاً الصعوبات والعراقيل والمعاناة، وبشيء من الصراحة فنفى إسماعيل ما يشاع عنه بأنه متهم بالفوقية والاستعلاء، واعترف بأنه متحيز لأصدقائه.
غير مستبد برأيه
دارت المداخلات حول شخصية سامر محمد إسماعيل من الناحية النفسية والمهنية، فرأت العميد عدنة خير بيك أنه متسامح لدرجة الضوء، وأكد الممثل يوسف المقبل بأنه ليس مستبداً برأيه ويفصل بين دوره ككاتب ومخرج، في حين بيّن د.عصام التكروري بأنه شديد النقد لتجارب أصدقائه بينه وبينهم.
ملده شويكاني