الحكومة منشغلة برفع الدعم عن مستلزمات الزراعة.. وعلامات استفهام حول الواقع الغذائي على أبواب العام الجديد
دمشق – ريم ربيع
ليس مستغرباً أن آخر ما حملته تقارير الأمن الغذائي عن سورية مع نهاية العام هو التحذير من تدهور غذائي كبير على الأبواب، بعد أن سجل إنتاج القمح الرقم الأدنى منذ نصف قرن، فلم يتجاوز الإنتاج المحلي 400 ألف طن، أي أقل من ربع الحاجة.
وهذا التدهور أصبح عنواناً مرافقاً للواقع السوري، فالجفاف الذي أصاب كامل المحافظات كان بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، لاسيما بعد الاستعداد إلى عامٍ وفير الإنتاج لم يحصد منه سوى اليباس، ما أعاد الاستيراد إلى واجهة الحلول رغم الصعوبات والتكاليف الباهظة.
إلا أن وزير التجارة الداخلية عمرو سالم رأى أن الأمن الغذائي بخير و”أكثر من ممتاز” مطمئناً إلى وجود 275 ألف طن من القمح حالياً تكفي لنهاية نيسان، مع إشارته إلى توقيع عقود لاستيراد كميات كبيرة خلال هذه الفترة.
أما وزير الزراعة حسان قطنا فقد سبق وحذّر من العام الأخطر والأسوأ لجهة الجفاف، ودعا في مناسبات عدة لزراعة أي مساحة مهما كانت صغيرة لتجاوز فترة الجفاف التي لم يسبق ومر على سورية مثلها، غير أن التخطيط لمحصول العام المقبل من القمح لم يشهد اختلافاً ملحوظاً عما سبقه، رغم أن التوقعات بتكرار عام الجفاف موجودة وبمؤشرات ملموسة من قبل الخبراء، ومع ذلك لم تصدر أية خطة طوارئ، فيما يتأنى الكثير من الفلاحين بالزراعة خوفاً من تكرار خسائرهم.
أما ماذا فعلت الحكومة لتفادي أزمة الغذاء؟ فإن أبرز ما اتخذته هذا العام هو رفع الدعم عن السماد، ورفع سعر المحروقات للقطاع الزراعي كما غيره، وتقصير واضح في الشراء من الفلاح ودعمه في الكثير من المحاصيل، وتلكؤ في التدخل الإيجابي بما ضرّ الفلاح والمستهلك، والكثير الكثير من التصريحات عن الدعم والنهوض بالقطاع الزراعي.
وهنا، فإن ضعف القدرة الشرائية وتناقص محتويات السلة الغذائية بالتدريج وخروج أصناف غذائية أساسية من أحلام السوريين، تشكل مؤشرات واضحة لا يمكن التغاضي عنها بتصريح هنا و”أبرة بنج” هناك حول التدهور الغذائي، ومع ذلك لا يزال التعاطي مع هذه القضية متواضعاً وبعيداً عن الواقع.
وأمام هذا الواقع يشدد خبراء زراعيون وتنمويون على ضرورة إيجاد خطط بديلة وبعقلية مختلفة عما اعتاد عليه التخطيط الزراعي، والنظر إلى الموضوع على أنه حالة طوارئ تستحق تركيز الموارد كافة عليها، وتأمين السماد والبذار والمحروقات للفلاحين، إضافة إلى التوسع بالزراعات الأسرية والتعامل معها بجدية أكبر وتحويلها إلى مشروعات صغيرة ومتوسطة تؤمن الحد الأدنى من الغذاء لاسيما في الأرياف والمناطق النائية.
كذلك يؤكد خبراء أن توفر المواد الغذائية في الأسواق ليس مؤشراً على “خير” الأمن الغذائي، فما دام المواطن لا يجرؤ حتى على النظر إلى واجهات المحال بسبب الأسعار الباهظة لمختلف الأصناف لا يمكن القول أنه مؤمن غذائياً، حيث تصنف مؤشرات الأمن الغذائي إلى توافر الغذاء أولاً، وجودته وسلامته ثانياً، والقدرة على الحصول عليه وتحمل تكاليفه أخيراً، مما يجعل حجة توافر الطعام تلقي بخيراتها على 10% من المواطنين فقط..!.