العقوبات الأمريكية والاستقلال التكنولوجي الصيني
قسم الدراسات
بعد أن قرر جورج دبليو بوش، وباراك أوباما اتباع النهج المتفائل في العلاقات مع الصين، و الوصول بهذه العلاقات إلى مستويات كبيرة من التعاون التجاري والمالي والأمني، ولا سيما في مكافحة الإرهاب، عادت العلاقات – خلال السنوات الماضية – الى حالة من عدم الاستقرار، والسبب في ذلك هو وصول دونالد ترامب إلى السلطة الذي كان له الدور المباشر في تدهور هذه العلاقات.
في عهد باراك أوباما، تم تقديم منطقة شرق آسيا على أنها فرصة من شأنها أن تفيد كلا البلدين من الناحيتين الاقتصادية والتجارية، وكانت الركيزة الأساسية لهذه المبادرة هي ما يسمى باتفاقية “التعاون الاقتصادي عبر المحيط الهادئ”، وهي معاهدة وقعت في شباط 2016 من قبل 12 دولة تمثل حوالي 40٪ من الاقتصاد العالمي. في ذاك الوقت، تم الهجوم على الإستراتيجية التي نفذتها إدارة الرئيس الديمقراطي، ووصفت على أنها مثيرة للجدل، حتى أن رجالات الدولة العميقة وصفتها بأنها “أكبر خطأ في السياسة الخارجية للرئيس”.
بعد الطعن بسياسة أباما، لم تعد العلاقات الصينية الأمريكية في أفضل حالاتها، ومع وصول الرئيس ترامب تغيرت الاستراتيجية في المنطقة بشكل كامل، وبدأ يُنظر إلى الصين على أنها تهديد وجودي للولايات المتحدة، وتحولت العلاقات تدريجياً نحو سياسة أكثر عدوانية تمثلت بشكل كبير بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية التعاون الاقتصادي عبر المحيط الهادئ بحجة إقامة علاقات ثنائية تعود بالفائدة على البلاد، وذلك خلال أول 100 يوم من ولاية ترامب.
بالتوازي، اتهم مايك بنس، نائب رئيس الإدارة الجمهورية، الصين علناً باستخدام “الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكذلك الدعاية لتوسيع نفوذها” ضمن سلسلة من الأحداث التي أدت تدريجياً إلى تصعيد التوترات الصينية الأمريكية، لتكون بمثابة سوابق للحرب التجارية والتكنولوجية التي اندلعت فيما بعد مع بكين، وهي الحرب التي تميزت بزيادة الضرائب على المنتجات المستوردة من الصين، وتنفيذ سلسلة من القيود على الشركة الصينية “هواوي”. وبحلول آيار 2020، بسبب تفشي فيروس كورونا، كانت العلاقات بين البلدين على وشك الانهيار، وحينها حاول كل جانب إلقاء اللوم على الآخر في أصل المرض وإدارته.
في الوقت الحاضر، يمكن القول إن كلا البلدين يُنظر إليهما على أنهما متنافسان من حيث الأمن والاستراتيجية الجيوستراتيجية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ظاهرة نظرية الألعاب المعروفة باسم لعبة محصلتها الصفرية للمنافسة الأمنية، حيث خسارة أحدهما هو ربح الآخر. ومع ذلك، فإن السؤال الكبير هو حول موقف إدارة جو بايدن بشأن الصين وأهداف سياستها الخارجية.
الحقيقة هي أن هناك وجهات نظر مختلفة حول النهج الذي يجب اتباعه لمعالجة الضرر الذي لحق بالعلاقات الصينية الأمريكية، وبالتالي تقليل العواقب المحتملة التي قد تؤثر على المجتمع الدولي. ففي مقال نشرته “الإيكونوميست” تحت عنوان “الاستراتيجية الصينية التي تحتاجها أمريكا”، ركزت المجلة على تشابه التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة، والتنافس الحالي بين الولايات المتحدة والصين. الأول يعتمد على الاختلافات الأيديولوجية والأسلحة النووية، والثاني يتميز بالصراع في مجالات الحوسبة الكمومية وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك ، في حين أن الحرب الباردة – أو الحرب الباردة الأولى ، كما يصر بعض المؤلفين – فصلت تماماً بين عالمين متعارضين مع الأيديولوجيات الأولية، أما في الوقت الحالي يتفاعل كلا الفاعلين مع بعضهما البعض ومترابطان بطريقة معينة.
الفكرة الرئيسية هي أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على شركة “هواوي” الصينية يمكن أن تعمل كمسرعات في عملية الاستقلال التكنولوجي، وتسريع إنشاء العملاق الآسيوي لصناعة الرقائق الخاصة به على نطاق عالمي. لذلك كما قال برتراند راسل – الفيلسوف وعالم الرياضيات والكاتب البريطاني ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1950 – “الشيء الوحيد الذي سيفدي البشرية هو التعاون”.