آفات زراعية تهدد أمننا الغذائي.. وإجراءات خجولة وأدوية “مغشوشة” لا تنفع في رد الأذى!
ظروف مناخية، وحرب اقتصادية، ونقص في مستلزمات الإنتاج، وشح في المحروقات، وغيرها من المخاطر التي تهدد أمننا الغذائي، وتقف عائقاً بين الفلاح وأرضه، ولعل آخرها جملة من الآفات الزراعية القادمة من دول مختلفة، أبرزها “دودة الحشد الخريفي” التي يعود موطنها إلى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية للأمريكيتين، وبالرغم من الإمكانيات المتواضعة لوزارة الزراعة، إلا أنها تجهد على مدار العام بعمليات المراقبة الدائمة والرصد، وإنشاء أنظمة فعالة لجمع البيانات الحقلية عن تواجد الآفات وسلوكها، وتمثّل تلك البيانات الأساس لعملية المكافحة والاستئصال، إضافة إلى وضع خطط احترازية قبل وصول الآفات، والاستعداد لها من خلال رفع الوعي العام، وتدريب المتخصصين.
مبيدات مجهولة المصدر
وبالرغم من المساعي التي تؤكدها وزارة الزراعة في تصريحاتها لتوفير المبيدات والأدوية لمواجهة الآفات الخطيرة التي تتعرّض لها الأشجار والمحاصيل في كل عام، إلا أن لسان حال الفلاحين يؤكد عدم توزيع هذه الأدوية على جميع الوحدات الإرشادية، عدا عن عدم فعالية الكثير منها، وانتشار الآفات الخطيرة بشكل لا يستهان به، مع إجراءات خجولة من قبل الجهات المختصة لا تنفع في رد الأذى للمحاصيل في أغلب الأحيان، هذا ما أكده مدير إحدى الوحدات الإرشادية، مشيراً إلى عدم فعالية المبيدات الزراعية، وترافق ذلك مع تحليق غير مسبوق لأسعار المبيدات!.
وبحسب رأي بعض المزارعين، هناك غش تتحمّل مسؤوليته كل من الشركات الدوائية، ووزارة الزراعة، وارتفاع أسعار المبيدات المحلية، وتدني فعاليتها، دفعا بعض المزارعين لاستخدام بعض أصناف مجهولة المصدر، لأنها أقل سعراً. وهنا يلفت الدكتور محمد عماد خريبه – كلية الزراعة في جامعة تشرين – إلى أن عدد الشركات المنتجة للأدوية والمبيدات الزراعية في سورية وصل إلى 11 شركة، وأنه لا يتم اعتماد أي مبيد لتسويقه في الأسواق المحلية إلا بعد اختباره من قبل الهيئة العليا للبحوث العلمية الزراعية، وفي حال اعتماد البحوث العلمية الزراعية المخولة بإعطاء نتائج المبيدات لأي منتج فإن هذا المنتج فعال، ويتم السماح بضخ نسبة 15% من الإنتاج في السنة الأولى، وتتم معرفة النتائج من مديريات الزراعة في المحافظات حسب استخدام المبيد، وفي حال تمت الموافقة على النتائج، تأتي الموافقة على الإنتاج، أما إذا كانت هناك أية آثار جانبية فيمنع إنتاج المبيد.
تهديد للثروة الزراعية
وبيّن الدكتور خريبه أن الزراعة بطبيعتها عمل محفوف بالمخاطر، وتلك المقولة تنطبق بشكل خاص على البلدان النامية بخلاف البلدان المتقدمة، حيث يقل الدعم الحكومي للمزارعين، سواء كان مادياً أو توعوياً، ومن أكثر المخاطر التي يتعرّض لها المزارع والبساتين، الآفات التي تهدد الثروة الزراعية في معظم البلدان، وقد تؤثر سلبياً على القدرة الإنتاجية، إضافة إلى جودة المحاصيل ذاتها، بل يصل الأمر إلى أن تؤثر على المحاصيل بعد جنيها وتخزينها أيضاً، وتحدث دكتور الزراعة عن وجود أكثر من 10000 نوع من الحشرات الضارة التي تسبب التلف لعدد من المحاصيل والنباتات الزراعية، وبالتالي تؤثر على وجود الإنسان والحيوان، ومن أهمها: دودة ورق القطن، الذبابة البيضاء، حشرة المَن، ذبابة الفاكهة، آفات المحاصيل كالقمح والذرة والأرز، سوسة النخيل، دودة الخضروات كالملفوف والخس والجرجير والقرنبيط، وغيرها، حفار الساق، الجراد، النمل، والآكاروسات، وهي تتغذى على عصارة النباتات والفواكه، ما يؤدي لتشوّه الثمار، وانخفاض الإنتاج، وتختص بعض تلك الأنواع بإصابة محاصيل محددة، أو أجزاء معينة من النباتات، كما تختلف إصابة الآفة للنبات باختلاف أطوارها، سواء كانت يرقة، أو حورية، أو كاملة النمو.
ضعف الفعالية
وأشار الدكتور سائر برهوم، المحاضر في كلية الزراعة – جامعة دمشق، إلى أن الدراسات في قسم الاقتصاد الزراعي في الكلية أشارت إلى أن ارتفاع أسعار المبيدات، وعدم توفرها بالشكل المناسب، فضلاً عن ضعف فاعليتها، من أهم المشكلات الإنتاجية التي يعاني منها المزارعون على اختلاف إنتاجهم، فعلى سبيل المثال، تشكّل قيمة مواد المكافحة أكثر من 14% من إجمالي التكاليف الإنتاجية للهكتار الواحد المزروع بأشجار التفاح في محافظة السويداء، بينما بلغت النسبة أكثر من 3% لكل من الهكتار المزروع بالزيتون في محافظة اللاذقية، وبالشعير البعلي في محافظة الحسكة، ومن جهة أخرى تفوق نسبة المزارعين الذين يعانون من نقص في مواد المكافحة وعدم ثقة في فاعلية ما هو متوفر منها في مختلف المحافظات السورية 40%.
سوق منافسة
لم ينف أهل الاختصاص تعرّض هذا القطاع لتحديات كثيرة وكبيرة، الأمر الذي يحتاج لحلول واقعية ليست “خلبية”، أهمها البدء بمكافحة الآفات التي تهدد المحاصيل، وبالتالي النهوض بالقطاع الزراعي وتجاوز مشكلاته، وبرأي برهوم، يجب التأكيد على ضرورة ختم المبيدات المرخصة المحلية والمستوردة وفقاً للقوانين النافذة للحد من انتشار المبيدات المهربة التي تضر بالاقتصاد الوطني من جهة، وقد تكون غير مجدية من جهة أخرى، مع ضرورة التثبت من عملية تحليل واختبار جميع المبيدات من قبل المراكز البحثية المتخصصة قبل طرحها بالأسواق، ومتابعتها وتقييمها بعد وضعها بين أيدي المزارعين، والانتقال بالسوق المحلية للمبيدات إلى سوق منافسة كاملة بشكل فعلي من خلال منح كافة التسهيلات والدعم لكافة المستثمرين الراغبين بإقامة معامل لإنتاج المبيدات واستيرادها.
أما بالنسبة لمهمة جهاز الإرشاد الزراعي في سورية الذي يعتبر صلة الوصل بين العلم والعمل، وإحدى الأدوات الرئيسية لاستبدال طرائق العمل القديمة بأساليب معاصرة، وانطلاقاً من أن أكثر من 60% من المزارعين لا يعتمدون على الوحدات الإرشادية كمصدر لمعلوماتهم وتطوير عملهم وتجاوز مشكلاتهم، فأكد برهوم أنه لابد من دراسة وتحليل الأسباب التي أدت إلى ضعف ثقة المزارعين بجهاز الإرشاد الزراعي، والعمل على معالجتها، لتتسنى للمزارعين مكافحة الآفات والحشرات بفاعلية من خلال التعرف على أساليب المكافحة المتكاملة، والمكافحة البيولوجية، وتطبيقها.
ميس بركات