“نجمة الصبح” من حمص.. الحب أقوى من الموت
لا تزال أجواء الحرب السورية معين المخرج جود سعيد، يغرف منه وقائعه السينمائية، حيث يجسّد في شريطه الأخير “نجمة الصبح”، الذي تستضيفه صالة سينما قصر الثقافة بحمص، بثلاثة عروض تجارية، جانباً من مآسي هذه الحرب ومفارقاتها المؤلمة. وكما هو حال أغلب أفلامه، يجنح نحو السينما الانطباعية التي ترفض قبول الواقع كما هو بحرفيته، ويسعى لفرض رؤيته الخاصة ومعالجته الدرامية المبنية على أحداث من الواقع.
وهو في “نجمة الصبح” نصه بالتعاون مع الكاتبة سماح القتال يذهب إلى ريف اللاذقية الشمالي ليعيد سرد حكاية مخطوفات مررن بتجربة مأساوية قاسية قبل أن يتمّ الإفراج عن بعضهن في عملية تبادل، لكن سرده هنا ليس توثيقاً ولا يتقاطع مع حكاية تلك المخطوفات سوى في روح الحدث الذي ينسج عليه شريطاً درامياً فيه من الواقعية السحرية الكثير من السمات والرؤى. فهو يخرج عن المسلمات الواقعية والأعراف الاجتماعية عندما يجمع بين المتناقضات ويجعل منها أمراً عادياً، كأن يقام عرس عبد الحليم حافظ “كرم شعراني” في اليوم ذاته الذي يستشهد فيه منصور أحد شبان القرية الذي يعمل حارساً ليلياً، وهو أمر يعتبر مستهجناً ومرفوضاً ولاسيما في مرحلة الأزمة، لكن سحرية جود تحاول أن تجعل من الحب سلطة أقوى وأشد حضوراً وتأثيراً من سلطة الموت، ولهذا كان مشهده الافتتاحي لشجرة سنديان معمرة يحفر عليها عشاق القرية أسماءهم ويعلقون على أغصانها حجبهم وتعاويذهم التي يأملون منها حماية غيابهم وعودتهم سالمين من خضم حرب فرّقت بين قلوب الكثير من العشاق، وهي الشجرة ذاتها التي تعود إليها نسمة، في المشهد الختامي، نسمة شقيقة “نجمة الصبح” التوءم التي ماتت في هجوم الإرهابيين بقيادة عارف شقيق خلدون حبيبها، هذا الشاب الذي قاده حقده إلى زرع الموت والخراب والأسى في منطقة تعايش أهلها على اختلاف انتماءاتهم حياة ألفة وتشارك سنين طويلة، وعودة نسمة إلى الشجرة المعمرة هي انتظار الأمل الموعود.
في “نجمة الصبح” الحائز على التانيت الذهبي لجائزة الجمهور في مهرجان قرطاج الأخير، لا يسعى المخرج إلى توزيع التهم وإلقاء اللوم بما حدث على طرف دون الآخر، فجميعهم برأيه ضحايا، حتى عارف “لجين إسماعيل” يدعه يبرّر تصرفاته وعنفه، عندما يصوّر أفعاله كحالة ردّ فعل على اعتقاله وسجنه وتعذيبه وإهانة كرامته، وعلى رفض نجمة الصبح محبوبته له، فكل ما قام به من قتل وخطف وتهجير هو ردّ فعل انتقامي له ما يبرره وفق حكاية جود سعيد، لذلك فهو ينظر إلى أطراف الصراع كضحايا مسلوبي الإرادة، أكثر منهم مذنبين.
محاولات المخرج إضفاء شيء من الكوميديا السوداء لم تستند إلى مواقف ومفارقات عفوية منسوجة باحترافية عالية، بل استند فيها إلى بعض المفردات العامية المصنّفة “بذيئة” ومواقف قد تكون غير مستحبة، لكنها بالمنظور الجماهيري تعتبر مثاراً للضحك والتندر، لكن الممثلين نجحوا بعفويتهم وأدائهم العالي في تمريرها واستثمارها درامياً بأسلوب مقبول جماهيرياً.
المكان في الفيلم لم يُعطَ حقه ولم يوظف بصورة تليق بحضوره الآسر، فاللقطات البانورامية للطبيعة الساحرة لم تقدّم المكان كما ينبغي كتوظيف جمالي مرتبط ومتفاعل مع نسيج درامي مفعم بالحيوية والسحر الفني والمثيولوجي، كما نوه في أكثر من مشهد، لكنه، وضمن هذا التكثيف الحكائي والإيقاع الدرامي المتسارع ضمن توقيت زمني محدّد حضر المكان بدوره البارز في الشريط السينمائي ضمن المتاح، وشكل “نجمة الصبح” كعنوان لفيلم سينمائي لم يأتِ ضمن سياق اعتيادي، بل يشكل برمزيته الميثولوجية والاجتماعية معنى واسع الدلالة والأطياف، فقد ارتبط نجم سهيل بحياة ومعتقدات شعوب كثيرة كرمز للهداية والأمل والصبر والاستمرارية، فكان المرشد للقوافل الصحراوية والمراكب البحرية ومؤنس ليالي العشاق الطويلة.
آصف إبراهيم