“النقل التنموي..” يا منظري التنمية
قسيم دحدل
ثمّة قضية اقتصادية جوهرية لم تحظَ بالقدر الذي تستحقه من الحكومة، ربما لأنها لا تزال بنظر البعض من أصحاب القرار، وخاصة ممن يطالعونا كل يوم بمصطلح التنمية المستدامة، ليست أولوية، حيث يُعتقد بغلبة جانبها الخدمي على الاقتصادي الاستثماري، بينما العكس صحيح.
إنها قضية النقل عامة و”النقل التنموي” خاصة، إن جاز لنا التعبير؛ قضية لعلّ ارتباط النقل فيها بالخدمة (خدمة النقل) كمصطلح ومفهوم قديم، هو ما يحول دون جعلها في دائرة الضوء والتشريح المجهري.
هذه القضية اليوم، وبعد سنوات الأزمة العشر، وما أفرزته من تحولات ومتغيّرات فارقة وحادة، تكتسب سمة الاستثمارية بجدارة، لناحية الدور المؤثر جداً الذي يشكله النقل بكل أنواعه، في التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي.
ففي الوقت الذي تسعى الحكومة عبر أذرعها المعنية، لتقديم كل الدعم للنقل التصديري، أي دعم وسائط النقل التي تحمل منتجاتنا وسلعنا إلى الخارج، من خلال تحمّل الدولة نسبة مئوية قد تصل إلى 50% من أجور الشحن، نجد أن هذا التحمّل غير مُنتبه إليه أبداً داخلياً، أي بين المحافظات والمدن والمناطق والنواحي والقرى.
عود على بدء، أفرزت الأزمة متحوّل ومتغيّر الهجرة المعاكسة، ونقصد الهجرة من المدن إلى الأرياف، بنقيض ما كان يتمّ ويحدث قبل الأزمة.
ومن أحد أهم أسباب هذا التحوّل الإيجابي (الهجرة المعاكسة)، الوضع المعيشي وما وصل إليه من سوء توازياً مع ضعف القوة الشرائية لليرة وكذلك ضعف الرواتب والأجور.. إلخ.
واقع معيشي واقتصادي أدى لفاقة وعوز كبيرين عند شريحة واسعة من الشعب السوري (نحو 80%)، ما دفعها للبحث عن مطارح داعمة لدخلها المتهالك، فكانت الأرياف والزراعة وتربية المواشي والطيور وغيرها من الأعمال، المقصد لتلك الشريحة، حيث غالبية تلك الشريحة لديها أراضٍ ومنازل في الريف “هجرتها” لتستقر في المدن طلباً لتحسين أفرادها وضعهم الاقتصادي والتعليمي.
اليوم السبب نفسه الذي دفع عائلات وأفراد تلك الشريحة ليستوطنوا المدن، هو نفسه ما أرجعهم لأريافهم، مع فارق واضح، أنهم حين عادوا لقراهم عادوا ليتغلبوا على تحديات المتطلبات المعيشية اليومية، وليس لتحسّن الوضع الاقتصادي أو المالي.
وعلى الرغم من أن تلك الشريحة لم تترك المدن، لأن عودتها لأريافها، كانت من منطلق احتياجي صرف، إلاَّ أن هذه “الهجرة المعيشية” أعادت القيمة الاقتصادية والزراعية الإنتاجية للأرياف والأرض.
بناء عليه نرى أن على الحكومة وجهاتها المختصة بمحاور التنمية الاقتصادية عامة والزراعية خاصة، العمل على دعم كل احتياجات ومتطلبات تلك العودة أنّى كانت وأيَّاً كان شكلها ودافعها.
أول أولويات الدعم هو دعم قطاع النقل وأجور التنقل، بعد أن ارتفعت لنسب غير معقولة أبداً، وإن لم يتمّ التجاوب مع ذلك فلا شك سيُقرع ناقوس الخطر من تلقاء نفسه، معلناً عن هَجر القرى والأرياف بشكل شبه نهائي، مشهد بدأت ملامحه تتشكل وقريتي الجنوبية مثال صارخ، حيث أجرة الوصول إليها وهي على بعد 150 كم تتراوح ما بين الـ 50 ألف ليرة والـ 100 ألف، ناهيكم عن عدم توفر الماء حيث ثمن الصهريج (24 برميلاً 40 ألفاً)، فما بالكم بالخدمات، عفواً الاقتصاديات الأخرى يا منظري التنمية؟!!.
Qassim1965@gmail.com