مسلمو فرنسا يراهنون على الحصان الخاسر
طلال الزعبي
يسيطر ملف العلاقة بين الدولة والمسلمين في فرنسا على هامش واسع من تحليلات السياسيين والإعلاميين والمثقفين في جميع التيارات من اليمين المتطرّف إلى اليسار الراديكالي، وذلك قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة التي تُجمع الآراء على أنها يمينية للغاية، فلماذا يراهن المسلمون على اليسار في فرنسا؟
في الواقع، نستطيع القول إنه في حين أن أغلب استطلاعات الرأي تتحدّث عن نصر كاسح لليمين في الانتخابات، ويمثله إريك زمّور صاحب الشعبية الكبيرة، ومارين لوبان رئيسة الحزب اليميني المتطرّف، وحتى إيمانويل ماكرون الذي انحرف نحو اليمين مؤخراً، بالقياس إلى تصريحاته المثيرة للجدل ضد الجزائر التي أثارت أزمة دبلوماسية بين البلدين، فإن الجالية المسلمة لا تزال تحلم بوصول شخصية يسارية تعطيها الأمل في مواصلة الحياة.
وفي ظل وجود عشرات الأكاديميين اليساريين الفرنسيين المحابين للمسلمين في فرنسا، والذين ينتقدون الاستعمار والتطرّف العرقي، زادت في اليمين الفرنسي الدعوات لمحاربة “الانفصالية الإسلامية في المجتمع الفرنسي”، الأمر الذي حدا باليمين إلى مزيد من التطرّف في آرائه، وبالتالي أثار نزعة محاربة ما يسمّى “مشروع اليسار الإسلامي” في السيطرة على المجتمع الفرنسي، وهذا ما عدّته جريدة “لوموند” تهديداً لحرية البحث الأكاديمي.
ورغم ردّة الفعل المُعارِضة القوية من قطاع واسع من الأكاديميين الفرنسيين، فإن اليمين استطاع أن يثبّت نظريّته المناوئة لليسار “الإسلامي” في هذا الشأن، وقد عدّت تصريحات ماكرون مثالاً واضحاً على ذلك.. “أعتقد أن فتحنا الجديد هو شيء موفَّق وعظيم. إنها الحضارة التي تسحق البربرية. نحن شعب متنوِّر يتقدَّم على أنقاض شعب غارق في الجهالة”، حسب تعبيره.
وكما كان الحال وقت استعمار الجزائر، ينقسم اليسار الفرنسي اليوم حول الوضع الداخلي للمهاجرين عامة، والمسلمين خاصة، في فرنسا، حيث عيّن ماكرون جيرارد دارمنان اليميني وزيراً للداخلية عمل على استغلال أيّ توتر داخلي لتشديد الخناق على الجاليات “الأجانب” في البلاد، فانقسم اليساريون حيال ذلك، إذ دعم جزء منهم خطوات الحكومة الفرنسية هذه، بينما عارضه الجزء الآخر، رغم اتفاق الجميع على ضرورة محاربة النزعة الانفصالية التي يمثلها في البلاد، وذهبت قيادات أخرى من اليسار إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث رفض “يانيك جادو” مرشَّح حزب الخضر مصطلح “الإسلاموفوبيا” أصلاً.
لذلك يبقى وصول مرشَّح يساري إلى الإليزيه عشية الانتخابات الرئاسية الفرنسية مُستبعَداً للغاية إلا إذا حدثت معجزة، وهذا ما تؤكِّده استطلاعات الرأي التي تعطي “جون لوك ميلَنشون” 8% فقط من الأصوات بفارق 1% عن “إريك جادو” مرشَّح حزب الخضر، بينما لا تتجاوز “آن هيدالغو” عمدة باريس ومرشَّحة الحزب الاشتراكي نسبة 6%.
ويُحلِّق ماكرون في صدارة الاستطلاعات بـ25%، متبوعاً بمارين لوباِن بنسبة 20%، ثم إريك زِمُّور ثالثاً بنسبة 15%، الذي فقد الكثير من بريقه بسبب عدم إعلانه الترشُّح رسمياً. ويعني كل ذلك أنه حتى في حالة توحيد صفوف اليسار فإن تفوُّقه على أي مرشح يميني آخر يبقى بعيد المنال.
ورغم أن اليسار الفرنسي اليوم بات يَعدّ نفسه عدواً لأي مشروع للمهاجرين أو الأجانب في فرنسا، أو أي تحرُّك يضع الإسلام على الخارطة السياسية، فإنه يبقى المظلة الوحيدة التي يرى المهاجرون إمكانية الاستظلال بها، في الوقت الذي يُهدّدهم فيه اليمين بالإبادة الديموغرافية عبر إعادتهم إلى بلدان آبائهم وأجدادهم.
تقرير إخباري