إحياء الذكرى الثانية لاستشهاد الجنرال سليماني
لم يكن معرض الصور الضوئية عن الجوانب الإنسانية التي اتصف بها الشهيد قاسم سليماني، وعن بطولاته العسكرية، وإنما كان عن مظاهر الحزن في تشييعه إلى مثواه الأخير، وكيف خرج الرجال والنساء يحملون صوره بحركة عفوية ودون تنظيم إلى شوارع إيران وساحاتها ومقاماتها، كما ذكر المستشار الثقافي الإيراني د. سيد حميد رضا عصمتي في الندوة الفكرية المرافقة للمعرض في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بالتعاون ما بين مديرية ثقافة دمشق والمستشارية الثقافية الإيرانية لمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد سليماني، بإدارة الإعلامي محمد خالد الخضر ومشاركة المستشار د. سيد حميد عصمتي ود. محمد البحيصي رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية، وعبد القادر حيفاوي المسؤول السياسي في حركة فلسطين حرة. وقد تمحورت الندوة حول فكر المقاومة عند الشهيد سليماني وخصاله النبيلة وطلبه الشهادة أربعين عاماً “إلهي كم أحبك، فتقبلني طاهراً”.
الموساد والاغتيال
بدأ الإعلامي الخضر بالحديث عن العلاقات الثقافية الإيرانية – السورية، والتي تعود إلى الثمانينيات وتتصدّر الفكر المقاوم، وتابع عن اغتيال الشهداء الفلسطينيين والسوريين بيد الغدر لأنهم يشكّلون خطراً على الكيان الصهيوني، ليصل إلى استشهاد البطل المقاوم سليماني.
تحوّل الصراع
حيفاوي تحدث عن سليماني الذي كان يجوب البلاد من إيران إلى بيروت إلى سورية وصنعاء والعراق دفاعاً عن الحق، وانفرد بالحديث عن دوره في المقاومة الفلسطينية، قائلاً: كان حريصاً على التعاضد بين أطياف الفصائل الفلسطينية، ودعا إلى ترك الخلافات السياسية جانباً أياً كان نوعها، للالتفاف حول الفعل المقاوم الذي ينصرنا على العدو الصهيوني الغاصب، وله فضل كبير فيما وصلت إليه المقاومة الفلسطينية، أتكلم عن غزة العزة، التي حوّلت الصراع اللوجستي العسكري على الأرض من صراع تقليدي إلى صراع نوعي بتطوير أدوات وتقنيات القتال، فأصبحت سماء غزة تمطر مواقع الكيان الصهيوني بالصواريخ، وتحوّل الصراع من صراع عصابات إلى حرب متطورة جداً، فمهما تكلمنا عنه لا نفيه حقه.
قضية أممية
وأوضح المستشار الإيراني أن قاسم سليماني استشهد من أجل قضية أممية غير محصورة ببلد واحد، فكان رجلاً عالمياً، مدرسة بالمقاومة قائمة على الصدق والإخلاص، والصدق مفهوم ديني وإنساني “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، وبقي لأكثر من أربعين عاماً يناضل من أجل الثورة الإسلامية في إيران، وفي لبنان وفلسطين، وفي سورية عمل بكل صدق لمواجهة الحرب الإرهابية، فهذا الوفاء للقضية ولمبادئه الإنسانية جعل منه نموذجاً فريداً يُحتذى به وجعل منه رجلاً وطنياً بامتياز، فقضيته كانت محور المقاومة بمجمله؛ وكان لا يهدأ في تحرك دائم متنقلاً بين الطائرات والطرق البرية، وهذا من سمات مدرسته، إضافة إلى الشجاعة التي يتحلّى بها وجعلته حاضراً في ميادين القتال في الخطوط الأمامية، قائلاً لجنوده: “تعالوا”، ولم يقل اذهبوا وقاتلوا، ولكن هذه الشجاعة اقترنت مع الحكمة والعقلانية، فكان يعرف قدرات العدو فيختار أسلوب التصدي له. وتوقف عند الإخلاص، فهو لم يكن ينوي أن يعمل ليرى الناس عمله، لكن إخلاصه جعل العالم كله يرى ما يفعله، ثم أشار إلى تواضعه واهتمامه بنفسه بعوائل الشهداء مستحضراً بعض الوقائع.
تجنيد عالمي لاستهدافه
د. البحيصي تحدث عن الرموز الكبرى في سلسلة البشرية التي تأتي في مواسم، مواسم تنبت الرجال، فكان موسم الثورة الإسلامية في إيران الذي قدّم الإمام الخميني، ولا شك بأنه زرع في أرض صالحة للإنبات، وكان من زرعه شخص اسمه قاسم سليماني، وما بين الإمام الخميني والقائد الخامنئي كان يستظل سليماني الفلاح البسيط المتواضع الزاهد، وكأنه خلق لهدف واحد وهو ترجمة ما يجول بخاطر الإمام الخميني والقائد الخامنئي.
وتابع د. البحيصي عن عمله العسكري الذي بدأ في العشرين من عمره تقريباً من 1980 حتى استشهاده في 2019، أي أمضى أربعين سنة بالعمل العسكري يركض وراء الشهادة، خاض الحرب الدفاعية المقدسة في كل ساحات المواجهة في إيران وهو يناجي الله لنيله الشهادة، لكن الله أخّره لينكل بالأعداء ويهزم أمريكا في العراق ويقطع دابر الإرهاب في سورية، ويخوض المواجهة مع إسرائيل، فكان ينسج السوار ليحيط إسرائيل بالنار، وكلما كان المكان أقرب إلى فلسطين المحتلة كان أقرب إلى قلب الشهيد، كما وقف مع حزب الله في لبنان، وطوّر المقاومة الفلسطينية خطوة خطوة، وفي كل الحروب كان يبحث عن أدق التفاصيل ويقود المعركة ويكتب له النصر، وتوقف عند حادثة استشهاده التي كانت عالمية فكل المخابرات العالمية جُنّدت لاستهدافه، ثم انتقل إلى الحديث عن الآثار التي تركها سليماني وعن تفجير المقاومة باستشهاده، فكان المعادل الموضوعي لمعارك سيف القدس في فلسطين.
انتصر للحق
وأنهى د. البحيصي حديثه برفضه ما يتمّ تداوله عن الخسارة باستشهاده، فسليماني ربح الشهادة “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة” وباستشهاده قويت المقاومة لأنه زرع يقيناً بالنصر والحق.
ملده شويكاني