انبعاث الألق… عودة عدنان ولينا
البعث الأسبوعية- رامز حاج حسين
حين أبدع المتألق والملهم (هياو ميازاكي) أسطورته الخالدة مسلسل “كونان فتى المستقبل” أو ما يعرف في الترجمة العربية (مغامرات عدنان ولينا) والمستمد من رواية الخيال العلمي (المد الهائل) للروائي ألكندر كي عام 1970، كان يقصد من خلال عمله الملحمي هذا أن يقول لا في وجه الحروب والجشع والطمع والشرور، فوصلت الرسالة واضحة أيما وضوح ورسخت بقوة في وجدان أجيال متعاقبة ومتلاحقة -منذ وقت عرض العمل وحتى أيامنا هذه- وكم نحن بحاجة لهكذا أجراس إنذار لذائقة أطفالنا لنربيهم على قيم الحق والخير والعدالة ونبذ العنف والحروب وثقافتها، وفي هذا المسلسل كتبت الكثير من المقالات والدراسات وأشبعها المحللون والنقاد الفنيون نقداً وتشريحاً، والكل خلص إلى تلك العبقرة الفذة والنبوءة الروحية المتقدمة لروح ميازاكي.
اليوم يحضرني هذا العمل بكل تفاصيله وطرائفه وقدرته الخلاقة على نبش الطفولة من أعماقها في دواخلنا، ولعل التحدي الذي كان دائم الاشتعال بين الطفلين عدنان وعبسي يتفرد بأن يكون العمود الفقري للعمل من ناحية شقاوة الطفولة وعبثها ومرحها، كيف يحضه على التدخين وكيف يتبارز معه في كذبة أكبر سمكة اصطاداها أبداً وكيف يحمل عنه عقوبة الضرب فتمتزج مشاعرك تجاه هذين الكاريكترين بين الإعجاب والضحك والحب، وليكرس ميازاكي من خلال كل فرد في المسلسل أيقونة لشريحة ما من مجتمعاتنا البكر، هناك المتغطرس والمغرور والشجاع والنبيل والمغامر والحيي والمدعي وكلهم يلبسون طاقية ميازاكي نفسه ليدخلوا في عمله كنسيج محكم ومتقن الصنعة فلا تجد في المسلسل إلا الرغبة في اغتراف المزيد، ونحن في ثقافة أطفالنا بحاجة لهكذا نمط من الأعمال المحبوكة بعناية وحرص بما يتوافق مع ذائقة طفلنا ومفرداته.
كثير منا ينظر للكتابة للطفل، وكثير منا يدعي تكبراً امتلاك ناصية السيناريو والحبكة القصصية لليافعين، بينما حين نستمع لقول فيكتور هوجو: “كل صخرة هي حرف وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة، فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائماً شيء من ظلال السحب أو زبد البحر” ندرك تماماً كمية الصعوبة في الولوج لعالم الكتابة عموماً والكتابة للطفل خصوصاً.
أما عن أسباب الخوض في غمار مغامرات عدنان ولينا من جديد فهو مجموعة من شباب عاشقين لمسلسلات الكارتون في الزمن الجميل ومحبي غريندايزر وعدنان ولينا وبقية الأنيميات المشهورة التي سادت مسيطرة على ثقافتنا الطفولية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
هذه المجموعة باتت صباح مساء تشارك على بحر الفضاء الأزرق مقاطع من ذاك الزمن ولكن اللافت بالأمر كان الإعلان عن مسابقة لرسم عدنان ولينا وإحياء لتلكما الشخصيتان الآسرتان لأفئدة العديد من شباب هذه الأيام الذين كانوا أطفالاً منذ عدة سنوات خلت، واللافت كان أن لجنة التحكيم لهذه المسابقة الجميلة هما الفنانان الكبيران فلاح هاشم الفنان العراقي والمخرج والمبدع ابن بغداد تولد 1958 (صاحب صوت عدنان) وسناء التكمجي الممثلة العراقية بنت بغداد تولد 1952 (صاحبة صوت لينا)، بانضمام هذين الفنانين العملاقين لهذه المجموعة أثار مكامن الأشواق لدى الجميع وراحت مباريات التقدير والاعجاب بهما تنهال من هنا وهناك وتوحد العالم العربي الفتي للحظات نبيلة على محبتهما وكأننا بعدنان ولينا قد بعثا للحياة من جديد فوجدناهما بلحم ودم بمحيا الوجوه النبيلة لكل من فلاح هاشم المبدع وسناء التكمجي الراقية، وكان تفاعلهما ودماثتهما في الردود على المعجبين مثار تقدير واحترام، وبات من الواضح لنا جميعاً أعضاء هذا المنتدى أن الفن والأدب الراقي يقدر على أن يوحد القلب في سبيل الخير الذي صنع من أجله المسلسل، كلنا عدنان وكل البنات باتت لينا.
على طريق الخير كما في أغنية سامي كلارك “جزيرة الكنز”: (ها نحن ذا على دروب كنزنا، نسير معاً وآمالنا تسير قبلنا)، درب الثقافة الموجهة للطفل قادر على أن يورق بأقلام موهوبين يقتدون بعظماء كميازاكي، ويبتعوا لنا ألف قصة ولوحة تكون لمستقبل أطفالنا، تاريخ جميل يليق بأن يكون موروثاً عربياً وسورياً.
دائماً ما أقول لطلابي في كتابة القصة والسيناريو للأطفال: علينا دائماً أن نتمسك بالحلم الذي في داخلنا، بأننا سنكون رواد هذه الدروب، مهما تكاثرت قطع الغيم الداكن، فثم شمس دافئة ستبددها ولو بعد حين.