عملاء واشنطن و”الهروب الكبير” أشرف غني: “المتغطي بالأمريكي عريان”!
البعث الأسبوعية- أحمد حسن
أخيراً ردد الرئيس الأفغاني السابق “أشرف غني” وبالفم الملآن ما سبقه إليه كل من كان على شاكلته: “خطئي الوحيد كرئيس هو الوثوق بالولايات المتحدة وشركائها الدوليين”، أي بما يسميه عرب اليوم -سلطات ومفكرين وإعلاميين وقادة مجتمع مدني- بـ”المجتمع الدولي” المقدس معلنين انحيازهم له ضد “اللامجتمع” والذي يضم للمفارقة أغلب دول الأمم المتحدة الأخرى.
قصة هروب الرجل لم تحظ بالتغطية الإعلامية المعتادة لأسباب عدّة، منها خوف أصحاب الإعلام من مصيره ومثاله، لكن أهمها أن قصة “الهروب الكبير” للأمريكي ذاته غطت عليها تماماً، المهم أن “غني” قال إنه “عندما استيقظ يوم 15 آب لم يكن يتوقع أبداً أن يكون ذلك اليوم هو الأخير له في أفغانستان”، أكثر من ذلك، فإن “الرئيس” المفترض لأفغانستان “لم يتبين هذا المصير إلا عندما غادرت طائرته كابول”، أي أن أحداً من “أسياده” في البيت الأبيض لم يجد داعياً لإبلاغ عميلهم هناك، حتى لو كان برتبة رئيس، عن قرارهم النهائي، وبالمحصلة غادر الرجل -كما وصف في حديث تلفزيوني- في سيارة وغادرت زوجته البلاد في سيارة أخرى دون أن يعلم وجهته النهائية، وحتى إن كان سيصل إليها حياً.
قصة مكررة
قبل “غني” كانت المرارة من هذا “المجتمع الدولي” تسم معظم الأحاديث الخاصة، لا الرسمية، لعملاء الأمريكان سواء كانوا بمرتبة ملك او رئيس أو حتى مثقف “نيوليبرالي” أو من جماعة “المجتمع المدني” بصبغته الأمريكية، حتى أن “حسني مبارك” له كلمة شهيرة بهذا الشأن فقد أطلق مرة في جلسة خاصة زفرة حرى وهو يكتشف العبرة الخالدة قائلاً: “المتغطي بالأمريكي عريان”، وهذا ما خبره شخصياً بعد وقت من هذه “النبوءة”، فقد تركه الأمريكان، بعد أن استنفذ دوره، عارياً ووحيداً في مواجهة ميدان التحرير الشهير.
وقبل “غني” أيضاً اتبع الكثيرون سيناريو “الهروب الكبير” بعد أن تخلت عنهم واشنطن، ولو لأسباب مختلفة، “شاه ايران” ذي الألقاب الالوهية تقريباً كان أشهرهم في الهرب والمصير، فشرطي واشنطن في المنطقة وعميلها الأول، وبعد أن جالت طائرته قارات العالم “الحرّ” لم يجد دولة غربية واحدة من دول “المجتمع الدولي” الذي خدمه طويلاً لتستقبله – واشنطن ذاتها رفضت تشريفه إليها- الوحيد الذي فعلها كان “السادات” الذي، ولسوء حظه، لم تمهله رصاصات “منصة” احتفال السادس من تشرين، ليهرب إلا إلى اللحد الأخير.
بعد هؤلاء حصل الكثير، “حسني مبارك” كان أفضلهم حظاً فقد قصد شرم الشيخ على متن طائرة مروحية ثم المشفى العسكري ثم السجن ثم اللحد الأخير. “بن علي” تونس حملته الطائرات إلى جدة، ولكن كسجين في الإقامة الجبرية حيث لا حس ولا خبر”، العملاء من الصف الثاني توزعتهم “محميات واشنطن” في المنطقة، ومن كان حظه أفضل، ويصدف غالباً أنهم رجال أمن، صريح أو مستتر، استقبلتهم باريس ولندن التي تستقبل أيضاً “أعدائهم” من الإخوان المسلمين في خلطة غريبة لا يجيدها أحد مثلما تفعل حكومة صاحبة الجلالة.
بعض العملاء في أمريكا اللاتينية كان حظهم أسوأ، قسم منهم ترك لمصيره، القسم الآخر استقبلته واشنطن ثم حاكمتهم على جرائمهم!! لتتطهر منها أولاً، ولتسدل ستار النسيان عليها ثانياً وهذا الأهم.
عملاء بـ”سمنة” وعملاء بـ”زيت”
من يقرأ عرائض الاسترحام التي أطلقها عملاء إسرائيل، وبالتالي أمريكا والمجتمع الدولي، الفارين بقيادة سعد حداد من جنوب لبنان سنة ألفين يعرف جيداً طبيعة العري الذي حل بهم بعد أن تغطوا طويلاً برداء “الأمريكان”. قائدهم ذاته أصبح صاحب مطعم في “تل أبيب” بعد أن كان صاحب جيش يأمر وينهي ويستل الحياة، بإشارة صغيرة من إصبعه، من صدر أي أحد بشرط أن يكون من أبناء جلدته اللبنانيين خصوصاً أو العرب عموماً فقط لا غير.
لا أحد يعتبر
“غني” مثلاً كان حظه أفضل من إخوته الأفغان الصغار في العمالة، فهؤلاء بعد هربهم المذل من بلادهم قسّموا إلى “خيار” و”فقوس”. دولة “قطر” الديمقراطية العظمى “قامت بانتقاء مجموعة منهم”، وتحديداً من “يمكن الاستفادة منهم إعلامياً في تغذية برامجها السياسية على قناة الجزيرة”. البقية “لا بأس بتخزينهم في السودان”.
وعلى غرار الآخرين جميعاً اعترف “غني” الآن، والآن فقط، أنه “يتفهّم غضب الأفغان”، قبله قالوها جميعاً، ولكن متأخرين أيضاً..لا أحد يعتبر.