مجلة البعث الأسبوعية

قرية مصيّات” .. “ضيعة ضايعة” في المثلث الحدودي  ظلمتها الجغرافيا وتاريخها شاهد على صور النسيان

البعث الأسبوعية – لؤي تفاحة

 

قرية مصيات الحدودية التي تتبع إداريا لمحافظة طرطوس وتقع في الشمال الشرقي للمحافظة على تخوم سلسلة جبلية تتوسط محافظات طرطوس وحماه واللاذقية وتبعد عن مدينة طرطوس أكثر من 85 كيلو متر  ظلمتها الجغرافيا نظراً لطبيعتها الجبلية شبه الجرداءوعدم وجود للأراضي الخصبةالمستصلحةوكذلك المناسبة بمساحات تغري أصحابها للبقاء متحدين مشقات الحياة رغم وجود بعضا من “الحواكير “التي أعتمودها لزراعة التبغ وحديثا زراعة أشجار الكرز ولاحقا الزيتون , والبعد عن المحافظة وجوها  شديد البرودة حيث ينعدم فيها تناوب الفصول الاربعة نظرا لكون فصل الشتاء الطويل الذي يمتد لأكثر من ثمانية أشهر وما يشهده شتاؤها من ثلوج وجليد لأكثر من نصف متر تقريبا وحرارة تنخفض لحدود 15 درجة تحت الصفر وكل ذلك وغيره الكثير جعلها قرية منسية بالنسبة للمسؤولين على مدى عقود وكثيرون ربما لا يسمعون بها سوى من يقرأ اسمها على الاطلس , ومع ذلك فهذه القرية  التي تأبى الشمس أن تشرق إلا من بين جنباتها لترسل بأشعتها الذهبية المتلألئة فوق سفوحها الندية  التي ترتفع لحوالي 1100 متر عن سطح البحر راسمة  على طول طريقها الجبلي الصعب بعضا من صورها  الطبيعيةوكثيرا من صور الاهمال بحق أبنائها الطيبين الذي قدموا الكثير من الشهداء

 

لمحة عن  القرية : تبعد القرية عن منطقة أبو قبيس التي تتبع لمنقطة سلحب  في ريف حماه الغربي  أقل من 14 كيلو متر   كما تبعد عن قرية الدالية التي تتبع لمنطقةجبلة تقرييا ذات المسافة  فيما تبعد عن ناحية العنازة في ريف بانياس أكثر من 25 كيلو متر  ويبلغ عدد سكانها حوالي 1000 نسمة الغالبية العظمى يعمل في زراعة التبغ ضمن حواكير تم استصلاحها مؤخرا يدويا ولكنها لا تفي بالحاجة لمعيشة بالحدود الدنيا والقليل  من الشباب من التحق في صفوف الجيش والعمل في بعض الدوائر الحكومية القريبة , وتتبع القرية لبلدية الجديدة القريبة منها بعد أن تم إحداث العديد من البلديات وضم القرى والمزارع الصغيرة لها ولكن القرية تشكو من الكثير من المشاكل ونقص في الخدمات الضرورية وغياب واضح للطرق الزراعية والخدمية داخل القرية وخارجها ووعورة الطرق الموجودة من الماضي وحاجتها الماسة للصيانة الدورية..

 

القرية بعيون أبنائها: تقول السيدة العجوز أم علي والتي تبلغ من العمر ثمانيا حولا وترتكز على عكازة خشبية لا زمتها لسنوات طويلة بسبب كسر لم تعالجه بوقته متحدثة عن ماضي القرية : كانت الحياة هنا صعبة للغاية  حيث لاوجود للنقل وعدم القدرة على تأمين الضروريات من سلحب القريبة أو قرية الدالية المجاورتان وكثيرا كان الاهالي يفقدون أبنائهم بسبب عدم وجود طبيب أو سيارة لنقل المرضى أو النساء الحوامل لأقرب طبيب خارج المنطقة كما إن شتاء القرية كان صعبا بسبب تراكم الثلوج على ارتفاع المتر وانخفاض درجة الحرارة وتضيف أم علي بإن الوسيلة الوحيدة للتدفئة حاليا جمع الحطب خلال فصل الصيف القصير من الحراج المجاورة وتأمين ما تيسر منه لزوم البرد  حيث تتعدد وسائل الاستخدام سواء للتدفئة أو لأعمال الطبخ وتتابع أم علي غامزة من أهمية مخصصات التدفئة من المازوت الشحيحة “همنا الاول هو كيف نتدبر أمرنا من الحطب بشكل يومي مع ارتفاع سعره الذي يصل سعر الكيلو الواحد لأكثر من 400 ليرة مستذكرة أيام زمان حيث كانت الامطار الغزيرة والثلوج التي كان يصل ارتفاعها لأكثر من المتر مما يؤدي لعزل المواطنين ولا سيما العجائز مثل حالتها لأيام طويلة بعد أن تتحول القرية إلى سطح متجانس وواحد من البياض.بدوره شكى المواطن طلال من غياب التوزيع العادل لمخصصات التدفئة بسبب تعنت صاحب الصهريج عن تزويد المخصصات بشكل عادل لجميع المواطنين رغم استلام رسائل نصية  ويتابع طلال بالقول : القرية بحاجة ماسة بدعمها مادياً وكذلك استصلاح الأراضي الوعرة وتحويلها لأراضي خصبة مناسبة لزراعة بعض المواسم مثل الكرز  وكذلك الزيتون ودعم المزارعين في أرضهم كون معظم المواطنين غير موظفين في   مؤسسات الدولة و غياب فرص العمل بالنسبة لعدد من الشباب ولا سيما المسرحين من الخدمة العسكرية لسنوات طويلة استمرت لأكثر من ست سنوات.

بدوره تحدث  محمد سليمان لميا  رئيس الجمعية الفلاحيةعن حاجة القرية لسيارة إسعاف لنقل الحالات الحرجة لأقرب مركز صحي نظرا لعدم وجود طبيب في القرية وكذلك إحداث عيادة نسائية أو داخلية  وكذلك الامر الحاجة لوجود صالة للسورية للتجارة تقوم ببيع المواد الاستهلاكية المدعومة نظرا لما يتحمله المواطن من أجور نقل باهظة واستغلال فاضح من أصحاب السيارات الخاصة مقابل ما يتم تخصيصه حيث تضيع مزايا الدعم والعمل على تأمين سيارة لنقل الاعانات المقدمة من الهلال الاحمر كسلل غذائية “علما قد تم تخصيص القرية بأكثر من مرة بمعونات”,  كما طالب بزيادة كمية المازوت المخصصة للفرن كون  الكمية المسلمة لا تفي بالغرض .بدوره طالب أحمد علي غانم مدير المدرسة بضرورة إعتبار المدرسة نائية لكي تستفاد من بعض مزايا المقدمة للمدرسين أسوة بحال منطقة القدموس سيما وإن أجور نقل المدرسين مكلفة للغاية ومعظمهم من خارج المنطقة حيث يتكلف المدرس فقط أجرة السيارة أكثر من 30 ألف ليرة وهذا يسبب عزوف الكثيرين من المدرسين بالالتحاق بدوا مهم بشكل مناسب كما طالب بضرورة معالجة وضع بعض المدرسات اللواتي يدرسن خارج المحافظة ولم يتم نقلهن إلى مكان إقامة أزواجهم كما ينص القانون رغم تقديم أكثر من طلب لوزير التربية  وتوجد حاجة ماسة لهن في مدرسة القرية كما طالب مدير المدرسة بزيادة مخصصات التدفئة للمدرسة لأكثر من الكمية المخصصة وهي 500 ليتر في الفصل الواحد لوجود حلقتين في المدرسة  وحاجة غرف التوجيه والمدرسين للتدفئة نظرا للبرد الشديد في القرية وبعضهم ليس معتادا اصلا لمثل هذه الظروف الصعبة,وتأمين ما تحتاجه المدرسة من طاقم تعليمي وإداري حرصا على سير العملية التعليمية ولمصلحة التلاميذ .

وتحدث المهندس حسن سلوم رئيس بلدية الجديدة عن حاجة القرية لإعانة مالية إسعافية لتنفيذ بعض المشاريع الحيوية من طرق خدمية كما لفت لافتقار القرية لوجود أي مشروع تنموي يخدم القرية من مزارع للأبقار أو المداجن نظرا لكون معظم الشباب  بحاجة ماسة للعمل والعمل في مؤسسات الدولة خارج القرية من الصعوبة تأمينه سواء لجهة عدم وجود نقل من وإلى القرية أو لأسباب مختلفة ولكون المنطقة تفتقر لوجود أراضي زراعية خصبة بمساحات أو حيازات كبيرة تؤمن مداخيل مستقرة لهم .

 

و أشار المهندس جابر حسن عضو المكتب التنفيذي لقطاع البلديات عن حرص المحافظة  لتلبية طلبات المواطنين المحقة والمشروعة بحسب ما تسمح به الامكانيات والقانون  والعمل لوضع كل ما تم طرحه في هذا اللقاء ضمن محضر نظامي ومعالجة كل مشكلة بحسب الاختصاص .

أما عضو المكتب التنفيذي  القاضي حسان ناعوس لفت  إلى أهمية تخصيص البلدية بإعانة مالية لتلبية مطالب القرية بداية العام القادم وبشكل طارئ من الموازنة المستقلة والعمل على تأمين الطرق وشق الطرق الزراعية ضمن الخطة المقترحة مع إعطاء الاولوية للأكثر أهمية.

ومن جانبه أكد بيان عثمان عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية و التموين بأنه سيتم دراسة المقترحات المتعلقة بتامين سيارة لنقل المواد المدعومة أو تأمين صالة للسورية للتجارة في حال تم تأمين مقر لها ودراسة المطالب الأخرى المتعلقة بقطاع التموين والتجارة  بعد عرضها للسيد المحافظ والعمل لتلبيتها وفق الأنظمة النافذة والإمكانيات المتوفرة

 

مشروعان يستحقان الإشارة لهما :نظرا لصعوبة الحياة في هذه القرية وكذلك الحاجة الماسة وبفضل تبرع بعض الخيرين من المنطقة وأيضا من خارجها فقد تم حفر بئر للمياه بعمق أكثر من \400\ متر وبغزارة \4\ أنش يؤمن المياه النظيفة للقرية وكذلك لسقاية المزروعات المنزلية وقد تم استثماره ولكن البئر بحاجة لمولدة تؤمن آلية الضخ إلى المنازل ولكن بسبب رفض الاهالي تسليمه لمؤسسة المياه لكي يتم وضعه بالخدمة على مستوى المنطقة من خارج القرية الامر الذي يتعذر  تأمين موافقة المؤسسة لتركيب المولدة والمشكلة تحتاج لحل منصف يبدد مخاوف الاهالي من جهة ومن جهة ثانية يضمن حقوق المؤسسة والمشتركين على حد سواء.

 

والمشروع الثاني هو إقامة مخبز يؤمن مادة الخبزبأفضل المواصفات سواء لجهة الجودة أو الوزن حيث يبلغ وزن الربطة أكثر من 1200 غ وقد تم تنفيذه بجهود العمل الشعبي والتطوعي ومساهمة بعض الخيرين الامر الذي ساعد على التخلص من مشكلة تأمين مادة الخبز حيث كان في السابق يتم تأمينها عندما تتقطع السبل بتأمين وسيلة للنقل تأمين المادة بواسطة حوامة تلقي بحمولتها من الخبز فوق أسطح المنازل وعلى فترات متباعدة بحسب الحكايات و المرويات!

 

ولعل الصورة الأكثر إيلاما هو منظر الغابات المحترقة وأشجارها المتفحمة جراء الحرائق التي شهدتها المنطقة ولاسيما نحل جرد العنازة ومعظمها كانت بفعل فاعل وبشكل متعمد بحسب التحقيقات التي أجريت وأيضا تعرض شبكات الكهرباء لسرقة الامراس النحاسية بحسب ما تم أخبارنا به لحظة وصولنا لبلدية الجديدة حيث تم سرقة أكثر من 60 متر من الأعمدة وسط البلدية؟!.

وفي جميع الأحوال من المهم طرح الكثير من الأسئلة  ومنها أهمية  المجتمع الأهلي ودوره الفاعل في مساعدة الجهات المحلية والتنفيذية لضمان نسغ الحياة في هذه المناطق وغيرها وأيضا  المحافظة على المال العام وما ترصده الدولة مقابل تحقيق تنمية بشرية مستدامة تعود بالخير على المجتمع ذاته أولاً وأخيرا!