مجلة البعث الأسبوعية

الحركة تنقذنا من “الخرف” والنشاط الرياضي تقي من الإصابة بالشيخوخة  

مع تقدمنا وتقدُّم المقربين إلينا في العمر نخشى من الأمراض المتعلقة بالسن، وفقداننا القدرة على خدمة أنفسنا دون مساعدة الآخرين، لكن المحافظة على النشاط البدني تقي من الإصابة بالشيخوخة، وهو ما توصلت إليه دراسة جديدة أُجرِيَت على أشخاص في الثمانين من عمرهم.

تعقّبت الدراسة حركة وجلوس كبار السن، ثم فحصت أدمغتهم بعد أن فارقوا الحياة. ووجدت أنّ نوعاً معيناً من الخلايا المناعية الحيوية كان يتصرّف بشكلٍ مختلف لدى كبار السن الأكثر نشاطاً، مقارنةً بنظرائهم الذين كانوا يعيشون أسلوب حياةٍ خاملاً.

كما كان للنشاط البدني تأثيرٌ على صحتهم العقلية، وقدراتهم الذهنية، ومسألة إصابتهم بفقدان الذاكرة نتيجة الزهايمر من عدمها.

وتُشير كثير من الأدلة العلمية بالفعل إلى أن النشاط البدني يُقوّي أدمغتنا. فإذا بدأ كبار السن الذين يعيشون نمط حياةٍ خاملاً، مثلاً في المشي مدة ساعةٍ يومياً؛ فسوف يُضيفون بذلك إلى حجم الحصين (مركز الذاكرة في الدماغ)، ما يعكس الانكماش الذي يُصيبه مع مرور السنوات عادةً.

كما يميل الأشخاص النشطون في منتصف العمر، أو أكبر، إلى تقديم أداءٍ أفضل من أقرانهم غير النشطين، في اختبارات الذاكرة ومهارات التفكير، كما تقل احتمالية تشخيصهم بمرض الزهايمر إلى النصف تقريباً. والأفضل من ذلك أن الأشخاص النشيطين الذين يُصابون بالخرف عادةً ما تظهر أعراضهم الأولى بعد سنوات من ظهورها على الأشخاص الخاملين.

لكن الطريقة التي تُعدّل بها الحركة من شكل أدمغتنا تظل لغزاً بنسبةٍ كبيرة، رغم أن العلماء لديهم بعض التلميحات المستقاة من تجارب أُجريت على الحيوانات. إذ حين تركض فئران التجارب البالغة على العجلة في معمل التجارب مثلاً، فهي تُفرز كميات كبيرة من الهرمونات والكيماويات العصبية التي تُحفّز إنتاج خلايا عصبية جديدة، ومشابك عصبية، وأوعية دموية، وغيرها من الأنسجة التي تربط بين خلايا الدماغ الصغيرة وتغذيها.

كما أن تمارين القوارض أبطأت أو أوقفت أيضاً التدهور المرتبط بالتقدم في العمر داخل أدمغة الحيوانات بحسب الدراسات، ويرجع ذلك جزئياً إلى تقوية خلايا متخصصة تُدعى الخلايا الدبقية الصغيرة. ولم تكُن تلك الخلايا مفهومةً حتى وقتٍ قريب، ولكننا نعلم الآن أنّها الخلايا المناعية المقيمة في الدماغ لأغراض المراقبة؛ إذ تراقب أيَّ علامات على تراجع صحة الخلايا العصبية، وبمجرد أن ترصد الخلايا المتراجعة؛ تقوم الخلايا الدبقية بإفراز الكيماويات العصبية التي تتسبّب في استجابةٍ التهابية. وهذا الالتهاب يُساعد على المدى القريب في التخلص من الخلايا الإشكالية وأي بقايا حيوية أخرى. وبعدها، تُطلق الخلايا الدبقية الصغيرة رسائل كيميائية لتهدئة الالتهاب، والحفاظ على صحة ونظافة الدماغ، والإبقاء على تفكير الحيوان سليماً.

ولكن مع تقدُّم الحيوانات في العمر، وجدت الدراسات الحديثة أن الخلايا الدبقية الحديثة تبدأ في التعطل وإحداث التهابات دون تهدئتها لاحقاً، مما يتسبّب في التهاب مستمر بالدماغ. وهذا الالتهاب المزمن يُمكنه أن يقتل الخلايا السليمة ويتسبب في مشكلات مع الذاكرة والتعلّم، وربما يكون الالتهاب شديداً بما يكفي لإصابة القوارض بمرضٍ يُشبه الزهايمر لدى البشر.

لكن كل ما سبق لن يحدث إذا مارست الحيوانات الرياضة. ففي هذه الحالة، كشف تشريح أنسجتها بعد الموت أن أدمغة الحيوانات كانت مليئةً بالخلايا الدبقية الصغيرة المفيدة وذات الصحة الجيدة رغم تقدم الحيوان في العمر، وربما ظهرت علامات قليلة على التهاب الدماغ المستمر، لكن القوارض المتقدمة في العمر احتفظت بقدرةٍ شابة على التعلم والتذكر.

ولكننا لسنا من القوارض. وربما نمتلك خلايا دبقية صغيرة، لكن العلماء لم يكتشفوا من قبلُ طريقةً لدراسة ما إذا كان النشاط البدني أثناء التقدم في العمر سيؤثر أم لا على طريقة العمل الداخلية لهذه الخلايا؛ وكان هذا هو الحال حتى جاءت الدراسة الجديدة التي أجراها علماء من المركز الطبي لجامعة راش، وجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، وغيرها من المؤسسات، لدراسة بيانات مشروع راش للذاكرة والشيخوخة ونشرتها دورية “علم الأعصاب” في تشرين الثاني 2021.

ولأغراض الدراسة، خضع مئات من سكان شيكاغو – وغالبيتهم في الثمانين من عمرهم – لاختبارات تفكير وذاكرة سنوية مكثفة، وارتدوا أجهزة لمراقبة النشاط لمدة أسبوع على الأقل. وكان غالبيتهم لا يُمارسون الرياضة بحسب أجهزة مراقبة النشاط، لكن بعضهم كانوا يتحركون ويمشون أكثر من غيرهم.

وقد فارق العديد من المشاركين الحياة خلال فترة الدراسة، حيث فحص الباحثون الأنسجة الدماغية لـ 167 منهم، بحثاً عن أي دلالات كيميائية حيوية عالقة من أنشطة الخلايا الدبقية الصغيرة. وأراد الباحثون رؤية ما إذا كانت الخلايا الدبقية الصغيرة لديهم قد ارتفعت حماستها بشكلٍ مستمر خلال سنواتهم الأخيرة، لتتسبب فعلياً في التهاب الدماغ، أم تمكّنت تلك الخلايا من تحجيم نشاطها عند الحاجة لإيقاف الالتهاب. كما بحثوا أيضاً عن السمات الحيوية الشائعة لمرض الزهايمر، مثل اللويحات الشيخوخية والتشابكات الليفية العصبية التي تملأ الدماغ عادةً. ثم قارنوا تلك البيانات بالمعلومات المستمدة من أجهزة مراقبة النشاط.

ووجد الباحثون علاقةً قوية بين الحركة المستمرة والخلايا الدبقية الصحية، خاصةً في أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة. إذ احتوت الخلايا الدبقية الصغيرة لدى غالبية الرجال والنساء كبار السن على دلالات كيميائية حيوية تُشير إلى أن تلك الخلايا كانت تعرف كيفية التزام الهدوء عند الحاجة. لكن الخلايا نفسها لدى المشاركين الأكثر خمولاً أظهرت علامات تُشير إلى أن الخلايا علقت في دوامةٍ من النشاط المفرط غير الصحي خلال سنواتهم الأخيرة. وكان أولئك الرجال والنساء الخاملون يُحققون درجات أقل بشكلٍ عام في الاختبارات الإدراكية.

لكن المثير للاهتمام أكثر هو أن تلك التأثيرات كانت أكثر وضوحاً لدى الأشخاص الذين أظهرت أدمغتهم علامات الإصابة بالزهايمر عند وفاتهم، بغض النظر عن مدى تأثير ذلك على ذاكراتهم في أيامهم الأخيرة. وإذا كان هؤلاء الأشخاص غير نشيطين، فإن خلاياهم الدبقية كانت تبدو مختلةً وظيفياً إلى حدٍّ كبير، كما لم تكُن ذاكرتهم حادة. أما إذا كانوا يتحركون باستمرار في آخر أيامهم، فقد كانت خلاياهم الدبقية تبدو أفضل صحة بعد وفاتهم، ولم يُعانِ كثير منهم من فقدان ذاكرةٍ ملحوظ في سنواته الأخيرة. وربما ظهرت على أدمغتهم علامات الإصابة بالزهايمر، لكن حيواتهم وقدراتهم على التفكير لم تتأثر.

وتُشير هذه النتائج إلى أن النشاط البدني يُؤخّر أو يُعدّل فقدان الذاكرة نتيجة مرض الزهايمر لدى كبار السن، وذلك عن طريق الحفاظ على صحة الخلايا الدبقية جزئياً.

 

تظهر آثار الشيخوخة عند الـ 47

يُقال إن العمر مجرد رقم وإن الشباب شباب القلب، فمتى تسقط هذه المقولة، ومتى يشعر الإنسان بكبر السن؟

مع ارتفاع معدل عمر الإنسان، كشفت دراسة طبية حديثة أن الإنسان يشعر بكبر العمر عندما يبلغ 47 عاماً، ويبدأ وقتها بملاحظة التغيرات التي يشهدها جسمه نتيجة العمر مع اقتراب سن الـ 50.

وتبين أن 64% ممن شاركوا في الدراسة أبدوا قلقهم بشأن قدراتهم على التفكير، وأشار كثير منهم إلى أنهم نسوا أسماء الأشخاص بعد مقابلتهم وفقدوا تسلسل أفكارهم لمرة واحدة على الأقل يومياً.

وعلى الرغم من أن التقدم في السن أمرٌ لا مفر منه، قال 65% من أصل 2000 مشارك، إنه أحد أكبر مخاوفهم. وقد هدفت الدراسة إلى تحديد العمر الذي يشعر عنده الناس بالشيخوخة، ويبدو أن 47 هو ذلك الرقم الذي ما بعده سيكون مختلفاً كلياً عما قبله.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن العديد ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن لديهم تاريخاً عائلياً في فقدان الذاكرة المرتبط بالعمر.

وعلى الرغم من أن كثيرين قلقون بشأن فقدان قدرات الدماغ، فإن 84% قالوا إنهم لا يتخذون إجراءات لتحسينها. بدوره قال إريك ماركوتولي الرئيس التنفيذي لشركة “ايليزيوم هيلث”، التي أجرت الدراسة: “لسوء الحظ، ليس من المستغرب ألا يربط معظم الناس الخيارات الغذائية بصحة الدماغ على المدى الطويل”.

من ناحيتها، تعتبر منظمة الصحة العالمية أن معظم دول العالم المتقدم تميز الشيخوخة ابتداءً من عمر 60 عاماً فما فوق. ومع ذلك، فإن هذا التعريف لا ينطبق في أفريقيا مثلاً، حيث يبدأ التعريف الأكثر تقليديةً لكبار السن بما بين 50 و65 عاماً.

أما المنتدى الاقتصادي العالمي “ويف”، فحدَّد الشيخوخة من خلال مقياس جديد يسمى “العمر المتوقع”، والذي ينظر في متوسط عدد السنوات الباقية ليعيشها الناس. ووفقاً لـ “ويف”، يبدأ التقدم بالعمر في سن 65، عندما يتبقى للناس 15 عاماً للعيش.

 

عمر الشيخوخة وفق ما تعتمده البلدان والثقافات

تمتلك معظم دول أوروبا وجهات نظر مماثلة بشأن الشيخوخة لمنظمة الصحة العالمية، حيث تعتقد أن الشيخوخة تبدأ عند 65 عاماً. وفي أمريكا، من 70 إلى 71 عاماً للرجال، و73 عاماً للنساء. وقبل أقل من عقد بقليل في بريطانيا، اعتقد الناس أن الشيخوخة تبدأ في الـ 59، ومع ذلك، وجدت الأبحاث، التي أُجريت في عام 2018، أن البريطانيين يعتقدون أن الإنسان يصبح مُسناً عندما يتخطى الـ70 عاماً.

أما تركيا فكانت تعتبر أنَّ سن 55 عاماً هو بداية الشيخوخة، لأن متوسط ​​العمر المتوقع للبلاد في ذلك الوقت كان 72. ولكن الآن، مع طفرة غير متوقعة في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، أصبح سن الـ70 هو المرحلة العمرية التي يعتبر فيها الإنسان عجوزاً.

في البلدان النامية، يكون العمر الذي تعتبره شعوبها كبيراً بالسن هو عندما يبدأ في تلقي المعاش التقاعدي. أما في الصين، فإنَّ سن التقاعد هي 60 للرجال و50 للنساء، و55 لموظفات الخدمة المدنية. في حين أن الهند لديها أحد أدنى سنِّ تقاعدٍ بآسيا، حيث تعتبر سن التقاعد 58 عاماً.