ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “مقام الياسمين”

“مقام الياسمين” مجموعة شعرية صادرة عن دار المفكر للطباعة والنشر ضمّت بين جوانحها 99 قصيدة تنوعت مابين الشعر العمودي وشعر التفعيلة والنثر.

يقول ميلان كونديرا في روايته “خفة الكائن”: “نحن نعيش نصف حياة فقط، أما النصف الآخر فذاكرة” هذا ماطبعت عليها الشاعرة زوات حمدو أحزانها وآلامها وقلقها فيغدو أمل وحزن الشاعرة في الحياة جلياً لتحول حروفها إلى حديقة للشعر والأمل والحلم، وفي قصيدة بعنوان “بحار الشوق” تقول:

لا الحبر يكفي لأشواقي ولا القلم

أنى وفيك بحار الشوق ترتطم

وكلما رام حبري عدت منهكة

أذوي كجيش بساح الحرب ينهزم

الشاعرة تحاول أن تعبّر عن إرهاصات شعرية وجدانية وما تحمله من خلفية ثقافية وأحاطتها بالفنون كالرسم والموسيقى.. يظهر ذلك من خلال التناص الظاهر في مفردات نصوصها الشعرية مضمخة بعبق التاريخ تاريخ الأمكنة، وقد استخدمت الشاعرة عنونة لنصوصها على شكل عبارة لافتة تستدرج القارئ إلى فحوص النص، عناوين إنشائية وفلسفية وفي قصيدة بعنوان “نسمة الصباح” تقول:

إليك انشد بسماتي لعلك يا

معذب القلب أنفاسي تداويها

ونسمة الصبح تحكي شوق أغنيتي

لتسكب الطيب عطراً في مآقيها

وقد جاء العنوان “مقام الياسمين” عنواناً يستحق التأمل والتحليل وتعدد القراءات ومن أهم عتبات النص الموازي ومن العناصر المهمة التي تستند إليها وهي بمثابة عتبة تحيط بالنص ومدخل موحٍ ومفتاحي للدخول في دلالة ورمزية النص والولوج إلى أغواره العميقة، وفي نص شعري فيه من البعد الفلسفي الوجودي والإرادة الإلهية وما تقدره السماء في قصيدة “شمس الجمال” تقول الشاعرة زوات:

وحين يعمّ السكون..

وتعبر شمس الجمال

يحط فؤادي الرحال

على منحة أغنيات الدلال

والشاعرة المسافرة في مكانها وهي تجالس ظل الليل لتغوص في ندوب الذاكرة تبحث عن قناديل لتضيء بها الأفق ومقرها على أعدائه القصيد، وتأخذنا الشاعرة إلى ذكريات الطفولة والوطن والرجل ونجد أن تكرار بعض الكلمات لم يكن تكراراً عبثياً أو عفوياً بقدر ما هو شغف لفعل الكتابة وماتعانيه من مكابدة أثناء كتابة نصوصها، حيث جاءت مرفقة بعبارات تحيل على القلق والألم وقد اختارت الشاعرة لغة جديدة عبر النص الشعري، وبرعت في اختيار المفردات والممثلة الصوتية الداخلية جرس الموسيقى في المقاطع مما يمنح السطر الشعري إيقاعه الخاص والذي يساعد في نشر الموسيقى عن طريق التكرار المتعمد لهذا التشبيه، وقد كتبت للوطن بلغة شفيفة وإحساس الانتماء والحب وفي قصيدة “وتلكم بلادي” تقول:

وتلكم بلادي..

وهذه شريعة الأعادي

تسللوا حرقاً إلى زيتونها

تثير الشاعرة زوات حمدو الأسئلة حول المجتمع وأهمية التعبير لغوياً عن مدى تأثير الأحداث على المشاعر الإنسانية، فهي توثق وقائع في قصائدها وتعلن بوضوح وجرأة عن رفضها للظلم والعنف على الرغم من أن بعض القصائد يمكن اعتبارها مشعر المناسبات لكنها عفوية في معانيها وغير متشدقة وتزين الشاعرة مجموعتها بقصائد تمزج بين الروماني وفكرة الاحتياج المتبادل بين المرأة والرجل فهي تدعو الرجل إلى الوقوف بجانب المرأة ولا تلتزم الشاعرة بنوع معين من الكتابة واعترف من التراث مفردات مما يمنح قصائد الشاعرة ألواناً مميزة وتشير إلى إمكانية الخروج عن القوالب المعروفة مادام النبض الشعري دافقاً وصادقاً وحريصاً وتوظف الشاعرة عناصر الطبيعة وتختلط الصور الشعرية والمواقف في بعض القصائد فهي تنتقل من مروج العاطفة الزاهرة إلى عتمة الخيبة والقنوط وفي قصيدة “شاطئ الحب” تقول:

أتدري..؟!

الفراشات تلثم

عني الخدود

كذا النحل عني يقبل خد الورد

وقد اعتمدت الشاعرة الكثافة الرمزية والإيحائية والصور البلاغية، وفي نص آخر حاولت الشاعرة أن تفرغ ما في داخل ذاتها وقد تكون متأثرة من تراكمات نفسية داخلية وأخرى اجتماعية أظهرت احتقاناً نفسياً داخلياً والذي ينعكس حيرة وقلقاً وتوتراً وتقلباً في المزاج، إذ أن التعبير عن النفس وعن الذات يعتبر تنفساً عاطفياً وفي قصيدة بعنوان “أنا لن أموت” تقول:

إذا كنت نجمة حلمك إني

أريدك في الحلم بدر البدور

أنا وطن من ذوات الجمال

وأنت مدى من ذوات الشعور

هذه المجموعة “قامات الياسمين” للشاعرة زوات حمدو تظهر كشاعرة متجددة وإنسانية ملتزمة بالموقف النبيل والبوح الصادق المؤثر وتحث القارئ على عزل نفسه عن الأحداث المحيطة به حاولت الشاعرة أن تضع بصمتها الخاصة مجموعة تستحق القراءة والتجول بين حدائق مفرداتها.

هويدا محمد مصطفى