ضد الاستيراد “الداشر”
علي بلال قاسم
لطالما شكل اندفاع النسبة العظمى من التجار باتجاه الاستيراد عامل استنزاف اقتصادي ومالي كبير، لبلد يمتلك زمام الإنتاج المتنوع، ولا يحتاج من الخارج إلا لمستلزمات الصناعة الأساسية ومواد أولية تخدم الصناعات المتكاملة، ولاسيما ذات القيمة المضافة في القطاعين العام والخاص، وإذا كانت ظرفية الحرب والعقوبات والحصار قد أخرجت المصانع والمنشآت وخطوط الانتاج من العمل، فإن مبررات اللجوء لأسواق الغير، لا تعني فتح الباب على الغارب وترك المجال للمتاجرين ومتعهدي شراء الصفقات المشبوهة وتصفيات ستوكات الشركات رخيصة الانتاج دون أي متابعة أو رقابة تغلق البوابات بوجه المنتج غير المطابق حتى ولو كانت السوق السورية تحت رحمة الضرورات التي تبيح المحظورات. في سجل التجارة الخارجية – قبيل الحرب وأثنائها – ممارسات وسلوكيات جعلت السوق السورية ساحة للإغراق ومكباً للخردة ومتجراً للبضائع مسحوبة المواصفات، وكلها جراء ميل ميزان التجارة الخارجية لكفة الاستيراد على حساب التصدير الذي يتهرب منه أبطال ورجال الأعمال والمال، رغم كل ما يساهم ويخدم الاقتصاد الوطني ويروج لعبارة “صنع في سورية” ويؤمن القطع الأجنبي اللازم للاستيراد نفسه، وهنا كان للعنة تمويل الاستيراد “الداشر” في زمن من الأزمان مواجعاً كبيرة، ما استدعى اللجوء لخيارات من قبيل ربط الاستيراد بالتصدير الذي كان له موجباته وضروراته، وفي توقيت آخر كان لترشيد الاستيراد فعل مهم خدم العملية التنموية وضبط الأسواق ورحم المستهلك الذي لا يتطلب من القائمين على تجارة بلده الخارجية أن يغدقوا عليه بالكماليات والبضائع الفارهة إن كانت ماركات أو ألبسة أو سيارات أو سلع لا ضرورة لها، أمام أولويات الغذاء والدواء والتعليم ودعم مدخلات الإنتاج بكافة قطاعاته. لسنا هنا في سياق عرض حسابي ورياضي لنسرد ونحلل كم كانت طلبات وشهادات الاستيراد الممنوحة والمنفذة كثيرة وكبيرة، مقابل سلة تصدير خجولة عبر سنوات وعقود طوال استبسلت فيها السياسة الاقتصادية العامة والاستراتيجيات الكبرى لدعم إضبارة التصدير وتسهيل تدفق السلع الوطنية إلى الأسواق العالمية، لتأتي أغلب التقارير السنوية للتجارة الخارجية بميزان خاسر بامتياز. اليوم ثمة صحوة جديدة تقودها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عنوانها العريض ضبط وتنظيم عملية منح موافقات وإجازات الاستيراد للمستوردين، وهي خطوة ولو جاءت متأخرة إلا أنها مطلوبة، في زمن كثر فيه “المسترجلون” على بنية الاقتصاد من خواصره الرخوة أولها وأخطرها الاستيراد والتهريب، وهنا كان للحملات التي قادتها أجهزة الجمارك مؤخراً على منابع وزواريب التهريب، أهمية باعتبار هذه المؤسسة هي المعنية “بحماية الحدود وضبط الداخل والخارج”. وتعميم وزير الاقتصاد الأخير الموجه لمديري الاقتصاد والتجارة الخارجية في المحافظات ورؤساء دوائر المنح يأتي – كما يذكر النص بالحرف – لاحقاً للإجراءات المتخذة لضبط عملية المنح للمستوردين، وإجراء الدراسات والتقصي اللازمين كشرط للموافقات، والمهم هنا أن يتحمل مدير الاقتصاد والتجارة الخارجية تبعية رفع أي طلبات لمستوردين يثبت لاحقاً أنهم مجرد أسماء ولا يمتلكون أنشطة وفعاليات تجارية حقيقية وإنما يستوردون لصالح الغير، كما يتحمل كل عامل مسؤولية ما تم تكليفه به وتحت طائلة المسائلة لأي تجاوز بالمهمة المكلف بها. وبصيغة الحسم جاء التعميم تحت طائلة المساءلة والمعاقبة لكل مدير عن أي تقصير او تجاوز في المهام المذكورة أو أي خلل يثبت ذلك، وفي ذلك إشارة مبطنة وغمز ضمني على وجود الفساد والخطأ، وإلا ما مبرر جملة التفاصيل التي جاء عليها التعميم المستفيض.؟ بالعموم تجارتنا الخارجية باتت مستباحة بفعل الاستيراد والمستوردين وأشباه التجار والمتاجرين، وهنا يتجسد المتهم الأكبر الذي تتوفر عليه كل قرائن الإدانة والجرم الاقتصادي؟، وبالتالي ثمة ضرورة للعقاب بحق الموظف والتاجر معاً، حتى تؤتي التوجهات والتعاميم والقرارات أوكلها من ضبط الاستيراد إلى إيقاف استيراد مواد بالاسم وآخرها قرار الـ 20 مادة، والأمل بالانعكاسات الإيجابية الكثيرة، ما من شأنه تعزيز بنية الإنتاج المحلي، الذي تعمل عليه الحكومة لتشجيع إحلال بدائل محلية للسلع المستوردة وترسيخ عامل الاستثمار في القيمة المضافة المطلوب بإلحاح في بنية الصناعة الوطنية.