على وقع المصائب.. أردوغان يبدأ حملته الانتخابية
محمد نادر العمري
في الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام الداخلي في تركيا بتردي الأوضاع الاقتصادية والآثار المترتبة على تراجع قيمة العملة الداخلية من سوء للمستوى الحياتي والمعيشي، أطلق رئيس النظام التركي رجب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم، معركتهما للانتخابات الرئاسية القادمة المقرّرة عام 2023، مستهدفة هذه الحملة المبكرة بشكل أوليّ وأساسي استعادة التأييد الضائع في مدينة إسطنبول كبرى مدن تركيا المرجِّحة للفائز في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية.
هذه الخطوة من قبل أردوغان وحزبه تعتبر استهتاراً بالوضع الصعب الذي يعيشه المواطن والناخب التركي، حيث اتخذت الحملة بدايةً مظهر استغلال السلطة من خلال تكليف أردوغان لجنة من وزارة الداخلية التركية لإجراء أعمال تفتيش بهدف ما يزعمه الوقوف على (حقيقة) تعيين مئات الموظفين يزعم أنهم على صلة بما تعتبره السلطات “تنظيمات إرهابية” وتحديداً حزب العمال الكردستاني، و”حركة الخدمة” التابعة لفتح الله غولن التي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة انقلاب فاشلة وقعت في 15 تموز 2016. وقد بدأت هذه اللجنة عملها بداية العام الحالي 2022
مع العلم أن تشكيل هذه اللجنة جاء على خلفية تصريحات أدلى بها رئيس النظام التركي أردوغان اتهم من خلالها رئيس البلدية المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو -المنافس الحقيقي له- بفصل 15 ألفاً من العاملين بالبلدية بدعوى انتمائهم إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتعيين 45 ألفاً ممن سمّاهم بـ”الانقلابيين الإرهابيين”، وبعدها بساعات ادّعت وزارة الداخلية أن اللجنة تعمل على التحقق من صلات تربط 557 من موظفي البلدية بالتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي دفع أكرم إمام أوغلو للردّ بالقول: “إن مسؤولية التحقق بهذه الصلات ليست من عمل الداخلية وحدها، وإنما من عمل وزارتي الداخلية والعدل اللتين تقومان بمراجعة كل ما يتعلق بالمرشحين للوظائف”.
لا شك أن هذه الخطوة تعبّر عن نيّة أردوغان لتغيير وقائع موازين القوى في هذه المدينة بعدما شكلت خسارة مرشحي حزبه لبلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية التي أجريت في آذار 2019 ضربة قوية له ولحزب العدالة والتنمية عندما فاز أوغلو على مرشح العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم في الجولة الأولى، ثم في جولة الإعادة التي أجريت في حزيران من العام ذاته، وأثارت هذه النتائج حالة غضب وتخوف في الحزب الحاكم، وكشفت عن الانفصال بينه وبين الشارع التركي، وهو ما يهدّد وضع أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ونتيجة هذه الخطوة تتخوف صفوف المعارضة من أن تكون أعمال التفتيش في بلدية إسطنبول مقدمة لعزل إمام أوغلو وتعيين وصيّ من حزب العدالة والتنمية عليها، كما حدث في غالبية البلديات التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، والذي ينعته أردوغان بأنه واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور.
وتأكيداً على احتمال إقدام العدالة على أي شيء للتمسّك بالسلطة، تمثل فيما عبّر عنه نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش بقوله: “إن هناك انتخابات في عامي 2023 (الانتخابات الرئاسية والبرلمانية) و2024 (الانتخابات المحلية)، وأودّ أن أؤكد للجميع وبرسالة واضحة أن هذه الانتخابات مهمّة ومصيرية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ولتركيا بأكملها، وبكل بساطة، من أجل العالم أجمع، في مؤشر أن العدالة يراهن على أمن العالم بوجوده”. وأضاف كورتولموش، في كلمة أمام المشاركين في برنامج التدريب بأكاديمية منظمة التعليم في إسطنبول التابعة لحزب العدالة والتنمية: “علينا أن نتخذ خطواتنا بشكل أسرع وأقوى وصارم في بعض الأحيان، من خلال فهم نوعية أحزاب المعارضة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، كعنصر أساسي في ذلك التحالف، وهو مايقرأ ضمن هذا السياق بأن تشكيل اللجنة ليست خطوة قد يلحقها خطوات تصل مرحلة تصفية المعارضين الذين يشكلون خطراً على أردوغان ومصيره السياسي”.
تزامن ذلك مع رسالة مسرّبة من حزب العدالة والتنمية إلى سكان إسطنبول بشأن ما حصل في الانتخابات والوعود الانتخابية التي على أساسها فاز الحزب الجمهوري عام 2019، مفادها: “في إسطنبول إذا اخترتنا فلن نترك أي مواطن في الشارع، تعلمون جميعاً كيف أن أولئك الذين يقولون (هذه كلمة شرف)، وضعوا آلاف الأشخاص أمام الباب بشكل ظالم وغير قانوني بعد فوزهم في بلدية إسطنبول”، في إشارة إلى مزاعم فصل 15 ألفاً من العاملين السابقين في البلدية من أعضاء الحزب الحاكم من جانب، ومن جانب آخر تعبير عن أن حزب التنمية ومسؤوليه لن يقدموا أي تنمية أو مساعدة لأهالي إسطنبول.
واستكمالاً لجهود أردوغان وحزبه، وانطلاقاً من توزيع الأدوار في هذه الحملة، هاجم وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى فارانك حزب الشعب الجمهوري ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، قائلاً: “إسطنبول اليوم تديرها وكالات إعلانية وليس سياسيون منتخبون ومحاصرة في أجندة وسائل التواصل الاجتماعي، لا يوجد عمل ولا إنتاج، علاوة على ذلك، يجد الميزانية لبناء ملعب تنس، لكنه لا يستطيع العثور على الميزانية ليشق طريقه إلى المستشفى أثناء وباء فيروس (كورونا) الذي يموت المواطنون بسببه، نأمل أن تعيد أمتنا إدارة هذه المدن إلى سياسة الخدمة عبر عودة كوادر حزب العدالة والتنمية لها”.
يُذكر أن حزب العدالة والتنمية وقادته يتجاهلون ما تصدره مراكز الرأي والدراسات، إذ بحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات أوروبية مستقلة، يتصدّر إمام أوغلو قائمة أنجح رؤساء البلديات في تركيا، يليه فاطمة شاهين رئيس بلدية غازي عنتاب من حزب العدالة والتنمية، بينما حلّ ثالثاً منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة من حزب الشعب الجمهوري، وكانت 4 مراكز من أول 5 مراكز من حزب الشعب الجمهوري، كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن إمام أوغلو يبقى دائماً منافساً قوياً لأردوغان على رئاسة الجمهورية.