لا عدالة في سلم الرواتب والأجور..!
علي عبود
اقترحنا قبل إقرار قانون العاملين الأساسي، النافذ حالياً، سلماً جديداً للرواتب والأجور يحقّق العدالة وليس المساواة، إذ لا يجوز المساواة بين الاختصاصات العلمية من جهة، ولا بين متخرج للتو وبين من اكتسب كمّاً متميزاً من الخبرات بعد سنوات من تخرجه من جهة أخرى.
ولنعترف بأن القواعد والشروط المطبّقة في التعيين بالجهات الحكومية منذ عقود ليست مساواة، وإنما هي ظلم لمن قضى ثلث عمره وأكثر على مقاعد الدراسة من جهة، وبين من لم يعرف المدرسة سوى لسنوات أو لم يدخلها إطلاقاً من جهة أخرى. وكلنا يعرف بعض النماذج الغريبة والتي تصل حدّ المهزلة في الكثير من الإدارات، كأنّ يزيد راتب “الآذن” بحكم الترفيعات الدورية وسنوات الخدمة، راتب المدير العام المعيّن حديثاً والحامل شهادة دكتوراه أو إجازة جامعية!!
لقد اقترحنا قبل إقرار قانون العاملين وفي عدة زوايا، إحداها بعنوان “قبل أن يصبح قانوناً”، منح حدّ أدنى من الأجر لجميع العاملين في الدولة يؤمن الحدّ الأدنى لمتطلبات المعيشة اليومية، فالمساواة هنا ضرورية بل وواجبة بين جميع المواطنين، متعلمين وأميين، ويوضع بعدها سلم أجر متدرّج حسب نوع الشهادة أو الاختصاص وسنوات الخبرة.. إلخ. وذهبنا أبعد من ذلك بقولنا لا يجوز منح الأجر نفسه لمهندس يعمل في الحقول طيلة اليوم، وبين زميل له يداوم من وراء المكتب.
ويأتي الردّ غالباً من جهات حكومية: الإضافات والتعويضات بمختلف مسمياتها ومتدرجاتها تسدّ الخلل أو الفجوة بين سلالم الرواتب والأجور. ونجيب بسؤال: لماذا لا يكون الراتب كاملاً بلا إضافات ولا تعويضات يتناسب مع الاختصاص والخبرة ويكفي للمعيشة والسكن؟
وبدلاً من التركيز على التعويضات الإضافية كان يجب أن نركز على الأجر حسب طبيعة العمل ووفق مسابقات تختلف باختلاف الاختصاص، فالتعيين وفق مسابقات عامة وليست نوعية فيه الكثير من الظلم وانعدام المساواة.
طبعاً..، لم تأخذ الحكومة آنذاك باقتراحنا في عام 2004 مع تأكدنا أن رئيسها قرأها، لكنه تجاهلها وجرى إقرار القانون بنسخة أسوأ من سابقه الصادر في عام 1985!!
ماذا كانت النتيجة؟
ربما لم يكترث أحد بسلم الرواتب والأجور الجديد في القطاع العام بعد زيادة الرواتب الأخيرة، ومن فعل سيلاحظ أن فارق الراتب عند بدء التعيين بين حامل الدكتوراه (112116 ليرة) وبين العامل من فئة رابعة أي الأمي أو الملم بالقراءة والكتابة (93630 ليرة) هو فقط 18486 ليرة (أقل من 8 دولارات رسمية) لا تشتري نصف كيلو لحمة أو فروج منظف. وكان الفارق منذ 20 عاماً بين الحدّ الأدنى للتعيين (3175 ليرة) والحدّ الأعلى (6325 ليرة) يبلغ 3150 ليرة، وكان أفضل مما هو عليه لأنه كان يعادل 67 دولاراً لا 8 دولارات حالياً!!
أين العدالة والمساواة في الأجر بين من قضى عمره بالدراسة وبين من أهملها؟ بل هل من أمل لتصحيح هذا الواقع السيريالي؟! الجواب قطعاً بلا، فالحكومات السابقة التي واكبت حقبة تصدير النفط والقمح والقطن وصفر مديونية للخارج واحتياطي لا يقلّ عن17 مليار دولار لم تطبق سلماً للرواتب يحقّق العدالة وليس المساواة، وبالتالي لن تفعلها أي حكومة تؤكد يومياً أنها تستورد النفط والقمح وحتى بذار البطاطا.
بالمختصر المفيد: إنها لمهزلة أن يتقاعد الموظف بعد 25 عاماً من الخدمة مثلاً براتب لا يتجاوز راتب موظف من الدرجة الرابعة عند بدء التعيين أي الحدّ الأدنى للأجر..، فهل هكذا تُعاد الهيبة والاعتبار للوظيفة العامة؟!