“بايدن” وتكرار صورة “دمى” طالبان في سورية!!
أحمد حسن
مرة جديدة تعيد واشنطن سلاح المساعدات الإنسانية إلى طاولة المفاوضات محوّرة، كما اعتادت، في معناها ومغزاها، من مجرد عمل واستجابة إنسانية مألوفة ومشكورة لآلام الآخرين، إلى عملية ابتزاز سافرة لتحقيق أهداف استعمارية دنيئة.
فإلى جانب العقوبات القسرية الجائرة واللاشرعية، والحصار الاقتصادي الخانق المترافق مع سرقة ثروات السوريين العلنية، عادت، “محررة الشعوب”، إلى التباكي عليهم اليوم مع اقتراب موعد تجديد الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سورية، معيدة عزف نغمة “عبر الحدود”، في محاولة زيادة عددها، لا لتأمين منافذ أكثر لإدخال المساعدات كما تعلن، بل لتوسيع السيطرة على طرق وصول لقمة السوريين للمساومة في، وعلى، حاجاتهم الملحة لأسباب الحياة، وبالتالي لضمان استمرار، وزيادة، قدرتها على التأثير في أزمتهم والإمساك بخيوط الحل والعرقلة ربطاً لها بمواعيد إقليمية وعالمية ضمن سياستها الأوسع في حربها الدائمة للاستفراد بقمة العالم وبالتالي ثرواته ومقدراته.
والحال، فإن واشنطن التي تسمّم، حرفياً، مصادر عيش السوريين بحسب وسائل إعلام غربية كشفت عن نوعية القمح السام الذي تصدره لهم كـ”معونة” ومساعدة بعد أن سرقت منهم قمحهم الشهير، وتراجعت عن موافقتها السابقة على دعم مشاريع “التعافي المبكر” وتقديم مساعدات “عبر الخطوط”، اتكأت، كالعادة، على خطاب إنساني ممجوح، وعلى تصريحات معروفة الدافع، وجهة الدفع، لـ”موظفيها” الكبار في الهيئات الدولية ذات الصلة وفي الأمم المتحدة – أحدهم بمرتبة أمين عام – في محاولة مكشوفة لإضفاء صبغة أممية شرعية على مخططاتها وأهدافها المعروفة والمتمثلة بإضعاف سلطة المركز، دمشق، على الأطراف، وبالتالي تهيئة الظروف لتقسيم واقعي مأمول تسعى إليه بصورة حثيثة وتحاول جاهدة تأمين مقوماته، وآخر صور ذلك قيامها ببناء مصفاة تكرير للنفط في مواقع أتباعها الانفصاليين إبعاداً لهم اقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي سياسياً، عن دمشق وعن بقية إخوتهم في الوطن.
وبالطبع فإن هذا السياق تفضحه صور عدة، أبرزها إصرار واشنطن على تشريع معبر بين العراق – وتحديداً القسم الذي تسيطر على قراره السياسي والاقتصادي – وبين أتباعها في شمال شرق سورية، في الوقت الذي تغلق فيه، بقوة الإرهاب الداعشية التابعة لها وبنيران “مستوطنتها” العسكرية في “التنف”، المعابر الرسمية بين الدولتين الشقيقتين، إضافة إلى ترحيبها ودعمها لاستمرار المعبر من جهة المحتل التركي مع ..”الجولاني”، باعتبار هذا الأخير أخ شقيق لطالبان، الديمقراطية، التي سلمتها واشنطن حكم أفغانستان فقامت مؤخراً بتقديم فاصل هزلي – ومأساوي أيضاً – من تقطيع لرؤوس دمى العرض في استراحة مرحلية من عملها الأصلي بقطع رؤوس البشر، وهذا هو النموذج الذي يرغبه الأمريكيون لسورية وللمنطقة بأسرها.
الأدلة على “الرغبة” في النموذج الطالباني لا تعد ولا تحصى، ومنها مثلاً مقابلة قديمة اعترف خلالها “زبينغو بريجنسكي”، وهو من هو في السياسة الأمريكية، للمجلة الفرنسية “لو نوفيل أوبسر فاتور” قائلاً: “أيهما أفضل للغرب: انهيار الاتحاد السوفياتي أو ممارسة الإرهاب من بعض الجماعات الإسلامية؟ أيهما أخطر على الغرب: طالبان أم الاتحاد السوفياتي؟!”، وبالطبع الجواب يعرفه الجميع، لكنهم يعرفون النتيجة أيضاً.
خلاصة القول، بين “عبر الحدود” و”عبر الخطوط” تشابهات وفوارق، وفوالق، عدة، في الأولى تكمن ناحية إنسانية لا ريب فيها ولا اختلاف عليها، لكن جوهر الثانية فاضح وفاجر في مآله ومغزاه، فهنا يكمن الفرق بين فهم واضح لسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، وبين فهم واضح، أيضاً، لمشروع “الإركاع والاستتباع” وإن بلبوس إنساني، وهنا المعركة الجديدة في الصراع المستمر.