ملامح جيوسياسية للعام 2022
هيفاء علي
لم يحبّ الليبراليون خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، لكن سياساته كانت ناجحة مع وصول الحرب الباردة إلى نهايتها، والتي كانت من أهم مخرجاتها موافقة الرئيس الروسي غورباتشوف على إعادة توحيد ألمانيا، مقابل تأكيد إدارة جورج بوش الأب أنه لن يتزحزح الناتو شبراً واحداً شرقاً. لكن إدارة بيل كلينتون، بقيادة الجمهوري بوب دول، انقلبت على الوعد، وتمّ نقل الناتو إلى حدود روسيا، وبالتالي إعادة إطلاق الحرب الباردة التي وضع ريغان وغورباتشوف حداً لها.
وبسلسلة من الأعمال العنيفة وغير القانونية (قصف يوغوسلافيا- غزو أفغانستان والعراق- قصف الأراضي الباكستانية) وبالمعاملة السيئة، أيقظت الولايات المتحدة روسيا. هذه اليقظة ظهرت ملامحها الأولى في مؤتمر ميونيخ الأمني عام 2007، حين قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتقداً واشنطن لاستخدامها غير المقيّد للقوة في العلاقات الدولية: “إن السلوك الخارج عن القانون للولايات المتحدة يقوّض العلاقات السلمية القائمة على القانون الدولي.. إن سيطرة واشنطن الاحتكارية على العلاقات العالمية لم تترك مجالاً لمصالح ومخاوف الدول الأخرى”.
حينها اندهشت واشنطن وأتباعها من أن بوتين كان لديه الجرأة لإغضاب القوة العظمى. ولكن مرة أخرى في عام 2015، أصيبت واشنطن وأتباعها بالدهشة أيضاً عندما منع بوتين الولايات المتحدة من تدمير الدولة السورية. وتمّ تتويج اليقظة الروسية حين أعلن بوتين في عام 2018 عن مجموعة مذهلة من أنظمة الأسلحة الجديدة، مثل الصواريخ النووية التي تفوق سرعة الصوت، الأمر الذي جعل الخبراء المستقلين يدركون أن الولايات المتحدة غدت قوة عسكرية من الدرجة الثانية.
اليوم، بالنظر إلى العبث المطلق لوسائل الإعلام الأمريكية التي تخدم مجموعات المصالح النخبوية التي تسيطر على أمريكا، فإن الأمريكيين أنفسهم لا يدركون أن حكومتهم الحمقاء تسبّبت بوقاحة في وضع قالت فيه روسيا رداً على واشنطن في الملف الأوكراني: “حرك قواعدك ومناوراتك العسكرية بعيداً عن منطقتنا، أو ستتحمّل العواقب”.
وهكذا بدأ عام 2022 بأزمتين غير مسبوقين: الأولى محاولة حكومات الغرب استخدام كوفيد19 لتحويل الديمقراطيات المنهارة إلى دول بوليسية، والثانية هو احتمال حدوث حرب نووية، بالنظر إلى الافتقار إلى قادة أذكياء وعقلانيين في جميع أنحاء العالم الغربي.
لقد بات الحكام الغربيون عبارة عن مجموعة غير قادرين على التفكير، وحتى الرئيس بايدن يتلقى النصح من قبل المحافظين الجدد ومن مركز الأمن الأمريكي الجديد الذي يموّله المجمع العسكري وشركات النفط التي تكره روسيا. بمعنى أن دعاة الحرب المسؤولين عن قصف كلينتون ليوغوسلافيا في التسعينيات وجميع حروب واشنطن غير القانونية في القرن الحادي والعشرين هم جزء من نظام بايدن الحالي، حيث يطالب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من كلا الحزبين بايدن بالوقوف في وجه بوتين، فكيف ستدرك إدارة بايدن، المليئة بالحمقى والأغبياء، أن الكرملين لم يعد كما كان في التسعينيات، وأن سنوات قبولها للاستفزازات والإهانات، والاعتماد على الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سلمية ومعقولة أنها بلا جدوى؟. وكما قال فلاديمير بوتين: “لقد عملنا ودعمنا من أجل السلام، والآن هم على أعتابنا وليس لدينا مكان نذهب إليه للتراجع ما دامت واشنطن تصمّ أذنيها وترفض الاستماع”.