فقر الحال أول أسبابه .. الطلاق الصامت يدمر البيوت والأبناء أول الضحايا!
ضجّ المجتمع السوري خلال الفترة الماضية بقضية العنف الأسري وما ينجم عنها من ضحايا كان أبرزها ما تعرضت له الشابة آيات الرفاعي من عنف من قبل زوجها أدّى لوفاتها، لتتعالى الصيحات المناهضة للعنف بكل أنواعه في جميع المنصات الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أُشبعت بتعليقات المواطنين من مختلف شرائح المجتمع مقدمين حلولاً كان أبرزها اللجوء إلى الطلاق في حال التعرض اليومي للعنف تجنبّاً لوقوع ضحايا، بينما توجهت فئة ليست بالقليلة لطرح حلّ “الطلاق الصامت” الموجود بكثرة في مجتمعنا لكنه لا زال إلى اليوم من المحظورات التي يخجل الكثير من الأزواج الإفصاح عنه، إذ وجد الكثير من المتزوجين بالطلاق الصامت منفذاً أو حلاً جيّداً في حالات عدم التفاهم أو حتى قرار الزوج بالزواج مرة ثانية مع الابتعاد كل البعد عن الطلاق الفعلي، خاصّة وأن النظرة السائدة عن الطلاق الحقيقي لازالت عند أغلبية النساء في مجتمعنا يشوبها الكثير من الأخطاء والخوف من كلمة “مطلقة”، عدا عن النفقة التي ستحصل عليها المرأة المطلقة والتي لا تكفي نفقة يومين في الشهر، ليكون الحل المُتبع في معظم الزيجات الفاشلة هو اللجوء إلى الحياة الصامتة والتي تُظهر للعلن عكس باطنها، تفادياً للطلاق الحقيقي من جهة وكي لا يعيش الأبناء في تشتت بين الأهل من جهة أخرى.
حفاظاً على “البرستيج”
وإذا كانت الأرقام والإحصائيات الكبيرة المقدّمة من وزارة العدل حول ازدياد حالات الطلاق الفعلي خلال السنوات الماضية نتيجة الوضع الاجتماعي الصعب من جهة، أو سفر الزوج لسنوات طويلة دون تواصل مع زوجته وأبناءه، فإن الواقع الفعلي الذي أكده لنا أهل الاختصاص يُثبت استفحال ظاهرة الطلاق المنزلي أو الطلاق الصامت أو الطلاق العاطفي وغيره من التسميات التي تُفضي إلى حياة صامتة لزوجين فضّلا العيش في مسرحية أمام مجتمع للحفاظ على “برستيج معيّن” أو تجنبّاً لنظرات المجتمع، أو لحماية أبنائهم من الضياع من جهة أخرى، ويُبرر علماء الاجتماع اللجوء إلى هذا النوع من الطلاق بأسباب كثيرة تراوحت بين تغيّر أكثر من 80% من الأزواج بعد الزواج، خاصّة في بلدنا وما يتحمّله الزوج من ضغوطات مادية كبيرة تبدأ بتأمين المسكن وتنتهي بتوفير حياة كريمة لأسرته وهو ما يعجز عنه أكثر من 70% من الأزواج حالياً، الأمر الذي يخلق شقاق في الحياة الأسرية وحالة من الشرخ التي تزداد مع ازدياد سنوات العمر، إضافة إلى تسرّب الملل الزوجي بعد سن الخمسين نتيجة انعدام النقاش والحديث المشترك الذي يؤدي إلى الصمت وانعدام الحياة الزوجية ، والأمر اللافت للانتباه خلال السنوات الأخيرة هو انشغال الأزواج والزوجات كباراً كانواً أو في مقتبل العمر بوسائل الاتصالات الحديثة وتقنياتها التي تقتل الحياة الاجتماعية، فالواتس آب من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق العاطفي بين الأزواج، بسبب الانشغال بالمحادثات والعالم الافتراضي للهروب من الواقع، وقضاء الوقت مع الأصدقاء على حساب تربية الأبناء، ليصبح الصمت هو اللغة التي تجمع الأزواج تحت سقف واحد، كل هذه الأسباب باتت اليوم تشكل عائقاً أمام استمرار العلاقة الزوجية بشكلها السليم التي تأسست المؤسسة الزوجية على قوامها، ويؤكد علماء الاجتماع على أن (50%) من حالات الطلاق العاطفي تتطلب مساعدة وتدخلاً من الطبيب النفسي أو أخصائي علم اجتماع.
واجب البقاء
ولم يُنكر مؤيد عليوي “دكتور علم اجتماع” ارتفاع نسبة الطلاق الصامت خلف جدران المنازل السورية وانتشار هذه الظاهرة سراً وعلناً في بعض الأحيان لأسباب مختلفة، مؤكداً أن تأثير هذا النوع من الطلاق على حياة الأبناء أكثر شدّة من الطلاق الحقيقي، وهو أخطر وأشدّ فتكاً للأسرة، فهذا القناع الذي يرتديه الأزواج أمام المجتمع يؤدي إلى مشاكل نفسية للأبناء وانحراف سلوكي لهم، كما يُفقد الأبناء الشعور بالمثل الأعلى لوالدهم أو والدتهم، إضافة إلى العدوانية التي ستبدو واضحة في سلوك الأبناء مع مرور الوقت، ويُلقي عليوي اللّوم الأكبر خلال السنوات الأخيرة على الضغوط المعيشية وتراكم الخلافات لسنوات عديدة ، إضافة إلى الروتين اليومي وابتعاد الأهل عن الصراحة والوضوح والمرونة في حل المشاكل، وصولاً إلى التزامهم بالعيش في منزل واحد من باب الواجب أو الخوف من النظرة القاصرة للمرأة المطلقة!.
حرام شرعاً!
في المقابل يؤكد معاذ الرفاعي” دكتوراه شريعة” أن الطلاق الصامت حرام شرعاً كونه اعتداء على رابطة القداسة الزوجية خاصة تلك الطلاقات الخلفية التي تحصل خلال الأزمة نتيجة الضغوطات المعيشية التي يعاني منها السوريون،مستعيناً بالآية الكريمة ” وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” ، وأكد الرفاعي أن رأي الدين الإسلامي واضح وصريح في قضية الطلاق، فكل الطلاقات التي تحصل اليوم خلف القضاء الشرعي هي طلاقات ظالمة ومتسرعة تسبب أذى للزوجة وللأولاد وتنتج عنها مآسي تحرف الأولاد وتحطم الزوجة، ولعلّ الحل الأمثل لهذه المشكلة التي استشرت بشكل كبير خلال الأزمة حسب الرفاعي هو التوجيه الديني عبر الخطاب الديني، والتوجيه الفكري والثقافي وورش الإعلام بكل أنواعه، لإعادة التنوير بأهمية الرباط الزوجي المقدّس، وشدّد الرفاعي في حديثه على رفض الإسلام لهذا النوع من الطلاق الذي يفتح الباب لارتكاب المعاصي ويؤثر سلباً على الأبناء والمجتمع ككل.
تصرّف مؤقت!
ولم يكن رأي الدين المسيحي مختلفاً بهذه الظاهرة التي وصفّها الأب فادي مخوّل بالتصرّف المؤقت الذي يلجأ له الأزواج بالعيش في حالة طلاق صامت لكن ليس في منزل واحد ريثما ينصلح الحال بينهما كون فسخ الزواج في الدين المسيحي يحتاج لإجراءات معيّنة تبدأ بانفصال الزوجين في المسكن وإشراف أحد ممن تندبهم المحكمة لمتابعة حالة الزوجين التي تنتهي بالعودة إلى حياتهما الزوجية أو فسخ الزواج في حال استمر وضع الانفصال أكثر من ثلاث سنوات، وعزا مخوّل كثرة حالات الهجر في الآونة الأخيرة إلى الضغوط المادية والنفسية التي أنهكت السوريين وخاصة العائلات التي تملك أولادا كثرا، مشيراً إلى ما يقومون به لتخفيف الضغط عن هؤلاء الأزواج ودعوتهم للتحلي بالصبر بدلاً من اللجوء للهجر أو الطلاق كحل لا ترضى عنه جميع الأديان السماوية.
ميس بركات