الأدب والفنون الدرامية
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
هناك روائيون كثر يكتبون للتلفزيون، لكنهم يرفضون أن تحوّل أعمالهم الروائية إلى سيناريوهات تلفزيونية بسبب أنه ضمن شروط الإنتاج القائمة اليوم لا يمكن للعمل الأدبي أن يحافظ على قيمته الأدبية. ومن المفارقة أن بعض الروائيين الذين يكتبون للتلفزيون يرون في فن الدراما فضاء مفتوحاً للعب والاستمتاع والكتابة العميقة، من خلال التعبير عن أفكار تخص شريحة كبيرة من الناس قد تختلف مع الكاتب في هذه الأفكار وقد تتفق معه، فالأفكار التي يضمّنها للدراما تختلف عن الأفكار التي يضمنها للرواية بحكم اختلاف الفنين، مع الفرق الكبير بين العمل الروائي المكتوب للتمثيل والعمل الروائي المكتوب للقراءة، لكن هذا لا ينفي نجاح الكثير من الروايات التي حُوّلت لأعمال تلفزيونية وسينمائية.
ورغم الاختلاف الجوهري بين كل من الأدب والسينما من حيث بنية كل منهما وأسلوب تلقيه وجوهر تكوينه، إلا أن العلاقة بينهما على غاية من العمق والغنى، إذ كانت السينما خير ما يعتمد عليه الروائي في سبيل الانتشار وتحقيق قاعدة شعبية تضمن لأعماله البقاء والرسوخ، وهذا الطموح من قبل الكاتب يماثل الطموح إلى الترجمة للغات العالمية، من هنا نرى أن السينما تفتح باباً للعالمية، إذ قامت منذ بداياتها على الأدب سواء في أوروبا أو في العالم العربي، وكثير من الروايات المتواضعة صنع منها أفلاماً جيدة، وروايات عظيمة لم تنجح.
بالتأكيد الرواية تعطي للفيلم حمولته الثقافية، وهذا يؤكد أنه إذا التقى كاتب سيناريو جيد وموهوب مع مخرج يستطيع قراءة العمل بتفاصيله الدقيقة ويحافظ على روحه الفكرية والأدبية فإنهما ينجزان عملاً جيداً، لكن إذا لم تتوفر ظروف الإنتاج التي تدعم منتجهما، فإنه سينعكس سلباً عليه، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أهمية اختيار النجم لبطولة الفيلم مما يعطيه جماهيرية وحضوراً. أما أسلوب التلقي فيختلف حضوره بين الفنين، ففي الرواية ينفرد المتلقي مع ذاته ويحلّق بخياله مع تفاصيل الرواية بشخصياتها وأماكنها وزمنها وكأنه أحد أبطالها، بينما في السينما يشاركه كثيرون في هذا الطقس، وهذا عنصراً مهماً من عناصر نجاحه وتأثيره، إضافة إلى ذلك كله تلعب المهرجانات المحلية والعالمية التي يشارك فيها الفيلم والجوائز التي ينالها دوراً كبيراً وهاماً يضاف لرصيد أي فيلم، فبالنسبة للسينما العربية كانت رواية زينب الصادرة عام 1914 مغفلة الاسم وجاء التوقيع باسم “فلاح مصري”، حيث لم يتجرأ كاتبها على ذكر اسمه عليها بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة حينذاك، واستمر هذا الحال إلى أن قام المخرج محمد كريم باقتباس سيناريو عنها وأخرجها بفيلم سينمائي صامت عُرض عام 1930، فحقق نجاحاً غير متوقع، وكان هذا النجاح فرصة استغلها كاتبها محمد حسين هيكل ليعترف بأنه مؤلفها.
إن تحويل الرواية إلى فيلم ليس بالأمر اليسير، فالعلاقة بين الأدب والسينما هي علاقة شغف وحب، فالسينما هي الذاكرة والذاكرة هي التاريخ، لذلك من الضروري والمهم جداً تطابق السيناريو والإخراج مع نص الرواية لأن هناك بعض المخرجين الذين يعتمدون رؤيتهم الإخراجية للعمل دون الرجوع إلى الكاتب أو حتى الحفاظ على روح الفكرة فيأتي الفيلم برؤية مغايرة للرؤية التي وردت في الرواية، والأمثلة كثيرة عن روائيين اعترضوا على عدم أمانة المخرج في تعامله مع منجزهم الأدبي.
لكن إذا تساءلنا حول الفن الأكثر متعة هل هو الفيلم السينمائي أم قراءة الرواية نرى أن لكل فن روحه ومتعته الخاصة، فالرواية ترتقي بذهن القارئ وتنمي خياله أكثر من الأفلام، لأنه مع الرواية يكون المتلقي هو المخرج والمنتج والمصور الذي يصنع فيلمه الخاص. كما أن قراءة الكتاب تزيد من المخزون اللغوي والثقافي وتنشّط الذهن، وتطور القدرة على التركيز، أما الفيلم فلا يسمح وقته ولا إمكاناته بتصوير كل التفاصيل التي تتضمنها الرواية، وبالتالي تخسر جزءاً كبيراً وممتعاً من القصة، ومع ذلك، الأفلام لها متعة خاصة، ولها قدرة تأثيرية عالية على التفكير والتحفيز تماماً مثل الكتب، ومن وجهة نظري سر النجاح يكمن في المزج بين الفنين معاً.