أفغانستان وكازاخستان وخطط واشنطن
سنان حسن
يبدو أن أولى أهدف بروباغندا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قبل بضعة أشهر، قد بدأت بالظهور توالياً على المشهد العالمي وما جرى في كازاخستان خلال الأيام القليلة الماضية مؤشر على رغبة أمريكية للاستفادة من حالة عدم التوازن في وسط آسيا عبر خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على حدود محورية في المواجهة معها روسيا والصين لزعزعة استقرارهما وضرب كل مشاريعهما التي من شأنها أن تخفف من سطوتها ونفوذها على العالم، وما كشف عنه الرئيس الكازاخي قاسم جومرت توكاييف من “أن أعمال الشغب الدامية التي شهدتها بلاده كانت “محاولة انقلاب” يقف وراءها إرهابيون أجانب قدموا من دول أخرى في آسيا الوسطى وأفغانستان والشرق الأوسط”، يؤكد ذلك.
على الرغم من اقتراب الرئيس الأمريكي جو بايدن من سنته الأولى في البيت الأبيض، إلا أن السياسات المتبعة حتى الآن تؤكد أن الرئيس السابق دونالد ترامب ما زال يتحكم بالقرار الأمريكي من حيث السعي المستمر إلى المواجهة مع روسيا والصين وفق العقيدة العسكرية الجديدة التي اعتمدها أثناء ولايته والتي حددت بكين وموسكو عدوين رئيسين، لذا فإدعاءات إدارة بايدن أنها ذاهبة نحو التهدئة والانتهاء من سياسة الضغوط القصوى إلى السياسات المفتوحة هي كذب مفضوح والدليل ما يجري حول العالم ولاسيما في بؤر الصراع المتوترة، بداية من الاتفاق النووي الإيراني مروراً بأزمات الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وليس انتهاءً بصراعها مع الصين وموسكو، حيث تصر واشنطن على مواقفها رافضة أي صيغة للحوار أو التفاهم وما جرى ويجري حالياً مع روسيا في مسألة الضمانات الأمنية حول اقتراب حلف “ناتو” من حدودها مثال صارخ على ذلك، فبدلاً من الالتقاء مع الطروحات الروسية يخرج مسؤولون من واشنطن معلنين العرم على فرض عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما فيما يتعلق بالصين فالأمر لم يتغير أيضاً فالضغوط ما زالت مستمرة باستخدام نفس الأدوات المعروفة لدى واشنطن من اسطوانة الديمقراطية المشروخة إلى حقوق الإنسان وأخيراً اتهام بكين بمنشأ فيروس كوفيد 19.
والحال فإن خطط واشنطن لتفجير الأوضاع في كازاخستان تنطوي على تحقيق أهداف كبيرة ضد خصميها الرئيسين، موسكو وبكين، على الرغم من سعي إدارة بايدن إلى التصريح يومياً بشأن عدم تورطها في الأحداث هناك، فبالنسبة لروسيا وصول الإرهابيين إلى كازاخستان يعني أن 7900 كلم وهي طول الحدود بين البلدين باتت مشرعة أمام الفوضى التي سينقلها الإرهابيون إليها والذين تحدث عنهم الرئيس توكاييف، ما يعني إشغالها أي – روسيا – إلى الأبد بالمشاكل وتحييدها عن الصراع المشتغل معها على أبوابها في أوكرانيا.
أما الصين فتفجير الأوضاع على حدودها وبالتحديد في ألما آتا، المدينة الحدودية التي اختارها الإرهابيون لتفجير الأوضاع فيها، هذا يعني أن مبادرة الحزام والطريق من البوابة البرية قد تلقت ضربة كبيرة وحرمتها من المرور من وسط آسيا، ما يعني أن المبادرة الصينية برمتها باتت في مهب الريح.
في مقابل هذه المخططات والمشاريع الأمريكية، كان لافتاً مدى التنبه الروسي لما جرى في أفغانستان من انسحاب متسرع مقصود عبر التحذير من تبعات الانفلات الأمني في العمق الآسيوي وتأثيره على الأمن القومي الروسي، لذا فقد كانت الاستجابة الروسية من بوابة منظمة الأمن والتعاون الجماعي مثالاً على ذلك، حيث استطاعت المنظمة إنهاء الفوضى الأمنية التي شهدتها كازاخستان، العضو في المنظمة، ما يعني أن سيناريو مماثلا قد يتكرر في حال تعرضت بيلاروسيا، العضو في المنظمة أيضاً، للتهديد من حلف شمال الأطلسي الذي يحشد على حدودها، وفي هذا رسالة كبيرة لواشنطن وحلفائها أن الأمور لم تعد كما تظن وتخطط، فروسيا وحلفائها في منظمة الأمن والتعاون أو في منظمة شنغهاي تدرك مصالحها الإستراتيجية واللعب في فضائها الأوراسي والآسيوي، ولم يعد بالإمكان بعد تمرير الأمور من بوابة الفوضى الأفغانية أو الثورات الملونة المزعومة.