“لا تسكتي”..!
غسان فطوم
هل كنّا ننتظر وفاة آيات الرفاعي جراء تعرّضها للعنف حتى نستنفر ونطلق الحملات بهدف التوعية والإرشاد بقضايا العنف الأسري، وخاصة العنف ضد المرأة والدعوة للإبلاغ عن أي حالة من هذا النوع؟!.
لا نريد هنا التقليل من أهمية حملة “لا تسكتي” التي أطلقتها وزارة الإعلام والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، وإنما القصد الإشارة إلى أن هذه الحملات تبقى عديمة الفائدة إن بقيت في إطار “الحكي ببلاش”، فمن السهل جداً أن ننظم الورشات والندوات والحملات، ونستعرض ردود الأفعال عقب كل جريمة عنف أسري، لندين ونؤكد ونعظ ونرشد وغير ذلك من هذه الديباجة الكلامية، لكن ما الفائدة من كل هذا الكلام الذي يتبخر كغيمة صيف؟!.. الثابت والمؤكد أن الجرائم لا تكافح أو تردع إلا بالقوانين الصارمة التي ترعب كلّ من يفكر بارتكاب جريمته، علماً أن لدينا قوانين متقدمة تحمي الأسرة لكنها تحتاج للتفعيل!.
وبالعودة إلى قضية “آيات” نجد أن جريمتها ليس بحالة طارئة على مجتمعنا، بل تكاد للأسف تصبح ظاهرة، قليل منها ما يكشف النقاب عنه، والغالبية تبقى في الكواليس لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بطبيعة وثقافة المجتمع، كالخوف والخجل من الفضيحة، عدا عن الجهل بالقوانين وعدم الثقة فيها، وذلك وحده يكفي لجعل تلك الجرائم تتنامى، سواء أكانت جريمة عنف جسدي أو نفسي أو جنسي وحتى لفظي وسط غياب الوعي بخصوصها، وهنا تقع المسؤولية على عاتق المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات المعنية المرخصة لهذا الغرض، لكن للأسف ثبت أن بعضها ليس له من اسمه نصيب، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
ما يلفت في هذا الصدد الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني الذي تقدّمه هيئة شؤون الأسرة للناجيات من العنف، كإقامة “دورات تعليم مهني ليتمكنّ من العمل وتأمين مورد لمعيشتهن”، غير أن هذا الدعم على أهميته يبقى ناقصاً، لأن المفروض أن نعمل على مبدأ الوقاية خير من العلاج، وذلك من خلال التصدي أولاً بأول لأي سلوك فيه إهانة لفظية أو أذية جسدية للمرأة، بمعنى العمل على معالجة أسباب العنف الذي يتمحور حول التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعادات الاجتماعية التي ترى في المرأة (ضلع قاصر!!) وتعطي الحق للرجل في التسلّط عليها والتحكم بمصير حياتها!، لذا المطلوب العمل الجاد على تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، وتمكينها من حقوقها الإنسانية، فالعجب من رجل يعنّف زوجته أو ابنته، وينسى أن من أنجبته امرأة هي أمه التي يكنّ لها كل الاحترام لدرجة التقديس، هو بالمطلق ليس سويّاً أخلاقياً ولا ناضجاً فكرياً.
بالمختصر، نحتاج زيادة الوعي لا شك في ذلك، لكن يبقى الأهم الإجراءات القانونية الرادعة ومدى ثقة الأسرة فيها وبجدواها في حالة التبليغ، وهذا ما نحتاج لتعزيزه للوصول إلى خطة محكمة توعوية قانونية لحماية الأسرة من ظاهرة العنف الأسري التي باتت تهدّد وحدة الأسرة والمجتمع.
gassanazf@gmail.com