كازاخستان.. فشل “الثورة” المستوحاة من الخارج
سمر سامي السمارة
أكدت المنشورات العديدة التي ناقشت ما حدث في كازاخستان في الأيام الأخيرة على نحو واضح أن قوى خارجية أشعلت فتيل الأحداث. فأوجه التشابه بين الهجوم الإرهابي الذي أدّى لقطع رأس اثنين من ضباط إنفاذ القانون الكازخية في 6 كانون الثاني في ألماتي، والهجمات الأخيرة لإرهابيي “داعش” في العراق وسورية وأفغانستان، ولقطات التوزيع العلني للأسلحة النارية لمن يسمون بالمتظاهرين الذين نظمهم رعاة الاضطرابات التي ظهرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ألا تؤكد وجود تلاعب خارجي؟ في الواقع، تُظهر تلك الأحداث كل معالم محاولة انقلاب مسلح مع سبق الإصرار.
من المؤكد بما لايدع مجالاً للشك، أن خطر حدوث مثل هذه المضاعفات في كازاخستان ودول أخرى في آسيا الوسطى، يرتبط بشكل أساسي بالتقدم السريع لأفكار التطرف والراديكالية التي تنشرها المنظمات الإرهابية الدولية، بما في ذلك تنظيم “داعش”.
ومن الجدير بالملاحظة، شهد هذا الخطر تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة على خلفية فشل ما يُسمّى بقوات التحالف في أفغانستان، بالإضافة إلى الاهتمام الشديد الذي أبدته واشنطن بإعادة تأسيس موطئ قدم لها في آسيا الوسطى، التي فرّ منها الجنود الأمريكيون منذ شهر آب الماضي. علاوة على ذلك، لتبرير حاجتها لتواجد أفرادها العسكريين في آسيا الوسطى، أظهرت الولايات المتحدة بالفعل استعدادها لرشوة المسؤولين الفاسدين الذين يعملون لدى بعض اللاعبين الإقليميين. كما أنها مستعدة أيضاً لتقويض الاستقرار الاجتماعي في المنطقة من خلال وكالاتها الاستخبارية وأدواتهم مثل “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” أو بعض المجلات، التي تعارض علناً عمليات التكامل في آسيا الوسطى. بالإضافة إلى إرسال واشنطن المستمر للموظفين الدبلوماسيين إلى آسيا الوسطى من ذوي الخبرة الواسعة في تدبير الانقلابات ضد الحكومات والثورات الملونة ممن يمتلكون معرفة استراتيجية عسكرية واسعة النطاق.
لذا، علينا ألا نتفاجأ بوجود أوجه تشابه مذهلة بين الأحداث الأخيرة في كازاخستان وانقلاب الميدان في كييف!. في واقع الأمر، ظهرت دعوات تدعو للاستيلاء على المباني الحكومية وأجهزة إنفاذ القانون، إلى جانب المنشآت العسكرية. وبعد ذلك، كان المنسقون داخل الحشود يعملون وفق كتيبات مجربة ومستوردة من الخارج، والأهم من ذلك، هناك قوى تستفيد بشكل مباشر من هذه الفوضى. وبغضّ النظر عن الذريعة الرسمية لمثل هذه الأعمال، المتمثل بخفض أسعار الوقود أو مكافحة الفساد، فإن السبب الرئيسي هو شبح السيطرة الأجنبية التي تلوح في الأفق وراء النوايا الحسنة.
يشهد العالم محاولات تديرها قوى خارجية لاستغلال السخط الاجتماعي للسكان، لتقويض نظام السلطة بأكمله الذي لا يتوافق مع الغرب، وهو ما رأيناه جميعاً في أوكرانيا، وبيلاروسيا، وقيرغيزستان في عام 2020.
أكد باحثون أوكرانيون أن هناك مركزاً واحداً لتنسيق المظاهرات المناهضة للحكومة في كازاخستان، ما يدلّ على أن الولايات المتحدة استخدمت ما يسمّى بـ”منظمة الاختيار الديمقراطي” لكازاخستان غير الحكومية، الموجودة في أوكرانيا وتسيطر عليها ادارة الأمن الأوكراني لتنظيم الهجمات الإرهابية، جنباً إلى جنب مع محاولات تقويض النظام الدستوري الكازاخستاني.
لا يستطيع أحد نكران تورط أوكرانيا في أحداث كازاخستان، فقد أعلن الرئيس السابق لجورجيا ميخائيل ساكاشفيلي، وهو رئيس اللجنة التنفيذية لمجلس الإصلاح الوطني الأوكراني، مؤخراً على صفحته على فيس بوك عن اجتماع للمعارضة الكازاخية في قصره في كييف.
ومن المعروف أن وزير الطاقة والتجارة الكازاخي السابق، الملياردير مختار أبليازوف، المقيم في كييف، شارك أيضاً في تنسيق الاحتجاجات في كازاخستان. ووفقاً لوسائل إعلام أوكرانية، فإن الأرقام التي ذكرها للتعليق على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل رموز المشغلين الأوكرانيين. فبعد أن كان قيد التحقيق منذ 1999 بتهم الاختلاس وإخفاء الدخل وإنشاء جماعة إجرامية منظمة وإساءة استخدام السلطة والهروب من العدالة في الغرب، تمت معاملة أبليازوف معاملة لطيفة في بريطانيا، حيث حصل عام 2009 على صفة اللاجئ. ومع ذلك، في شباط 2012، قضت محكمة بريطانية بأن أبليازوف ارتكب عدداً من الجرائم وحكمت عليه في غيابه بالسجن لمدة 22 شهراً بتهمة ازدراء المحكمة، و في غضون ذلك، فرّ أبليازوف إلى فرنسا.
كانت أوكرانيا قاعدة العمليات الرئيسية التي اختارتها شخصيات المعارضة الكازاخية ورعاتهم الغربيون. بعد عام 2014، أصبحت أوكرانيا كومة نفايات، حيث تمّ الترحيب بالهستيريا المعادية لروسيا من كازاخستان وجورجيا وأوزبكستان.
سوف تستضيف كييف بشكل شبه رسمي مقرّ ما يسمّى بالمعارضة البيلاروسية بمباركة الغرب. في الواقع، أصبحت أوكرانيا منصة لنشر الثورات الملونة والاضطرابات الاجتماعية والانقلابات ضد الحكومة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي باستخدام العديد من الهياكل غير الحكومية الأوروبية والأمريكية. ويمكن القول إنه بعد عام 2014 أصبح الراديكاليون الأوكرانيون جزءاً من الدولة الأوكرانية، حيث يتمّ توجيههم من قبل وزارة الشؤون الداخلية الأوكرانية أو دائرة الأمن الأوكرانية، وعندما يذهبون في مهمة، بما في ذلك البعثة في كازاخستان، يستمر هؤلاء الأشخاص في الحصول على دعم دولتهم.
يعترف المهاجرون الكازاخستانيون بأن مواطنيهم يتلقون التدريب في أوكرانيا من مدربي قتال الشوارع، لذلك لن يكون من المستغرب، بسبب العملية الخاصة المكثفة لمكافحة الإرهاب التي نظمتها السلطات الكازاخية في ألماتي أو مدن أخرى في كازاخستان، أن يتمّ احتجاز الأوكرانيين بين المشاركين النشطين في أعمال الشغب.
في 5 كانون الثاني الجاري، قال الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف إنه ينبغي النظر إلى الاحتجاجات في البلاد على أنها “عدوان خارجي”. وشدّد توكاييف، مخاطباً مواطني كازاخستان، على أنه سيفعل كل شيء لحماية مصالحهم، وأشار إلى أنه يجب أن يُنظر إلى الاحتجاجات في البلاد على أنها “عدوان خارجي”.
في 6 كانون الثاني، وصفت وزارة الخارجية الروسية أعمال الشغب بأنها محاولة “مستوحاة من الخارج” لتقويض أمن وسلامة كازاخستان من خلال استخدام تشكيلات مسلحة جيدة التدريب والتنظيم. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” اتخذت القرار المناسب بناء على طلب من كازاخستان، وفقاً للمادة 4 من معاهدة 15 أيار 1992، لتزويد هذا البلد على الفور بالدعم والمساعدة اللازمين، بما في ذلك المساعدة العسكرية.
في الوقت الحاضر، الوضع في كازاخستان طبيعي، والحياة العادية في هذا البلد تتحسّن. وبحسب رئيس كازاخستان، توكاييف، سيتمّ رفع حالة الطوارئ المعلنة سابقاً والتي استمرت أسبوعين بشكل تدريجي في المناطق التي عادت فيها الحياة إلى طبيعتها بالفعل.