“السقف الزجاجي” ما زال عائقاً أمام المرأة العاملة رغم ما تمتلكه من مهارات!
تواجه المرأة في مجتمعاتنا العربية مجموعة من المعوقات في العديد من جوانب الحياة كالمشاركة في القرار بالميادين السياسية والاجتماعية رغم محاولاتها الدائمة لتطوير أدائها ومهاراتها وقدراتها العلمية لدخول سوق العمل وتقاسمها ذات الظروف وتحملها ذات الأعباء مع الرجل ويأتي في مقدمة تلك العوامل السقف الزجاجي.
يعيق التنمية
الدكتورة سمر قبلان من المعهد العالي للتنمية الإدارية جامعة دمشق، أشارت في دراسة مشتركة أجرتها مؤخراً، مع الباحثة نور محمد بوبس، حول أثر محددات السقف الزجاجي على الأداء الوظيفي للمرأة، إلى أن الواقع العملي في مجتمعنا قد أثبت أنه بالرغم من تسلح المرأة بحقيبة علمية ومعرفية، وبالرغم من الحماية القانونية المقدمة لها، وضمان حقها في العمل إلا أنها وحتى الآن تتأثر وبصورة كبيرة بمجموعة من العوامل والأحكام المسبقة التي عرقلت كثيراً من عملية وضع كافة طاقاتها في خدمة التقدم الاجتماعي، وفي مقدمها السقف الزجاجي الذي يشكل – بحسب تعاريفه من قبل العديد من المنظمات الدولية – ما يشبه ظاهرة خفية أو حاجزا غير مرئي يعيق التقدم الوظيفي للمرأة لجهة وصولها لمناصب عليا وظيفياً مهما كانت خبراتها مميزة، ومهما كانت مؤهلة لذلك، كما يقلل هذا الحاجز من الأداء الوظيفي الذي يعتبر ميزة تنافسية لدى كافة المنظمات والمؤسسات والذي يفترض على أية إدارة في أي جهة أن تدعمه، وشددت قبلان على ضرورة إيلائه أهمية خاصة بعد الأزمة التي نمر بها نظرناً لحاجتنا الماسة اليوم لاستغلال كافة الموارد البشرية من الرجال والنساء في عمليات تطوير المجتمع، وتحقيق التنمية الشاملة.
أكبر الأثر لقواعد التنظيم
من جهتها، تقول الباحثة نور محمد بوبس: إن محددات السقف الزجاجي الأسرية الثقافية والاجتماعية والفردية والتنظيمية والعوامل القانونية والتشريعية أثرت على الأداء الوظيفي للمرأة العاملة، وذلك وفق نتائج الدراسة المشتركة التي أجرتها مع الدكتورة قبلان على العاملات في الجهاز الإداري ضمن أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق والتي شملت عينة تم استبيانها تضم 374 عاملة، وقد تم تحليل الاستبيانات باستخدام برنامج الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية.
وبينت بوبس أنه وفقاً للدراسة، كان لمحددات السقف الزجاجي أثر وتناسب عكسي على الأداء الوظيفي، حيث تبين أن محددات السقف الزجاجي لها أثر بنسبة 72,3% على الأداء الوظيفي للمرأة، وكان للمحددات المتعلقة بالعوامل التنظيمية أكبر الأثر إذ بلغت نسبته 56%، وهي العوامل المتعلقة ببعض خصائص هيكلية التوظيف وتقييم الأداء الوظيفي والترقية، فقد يتضمن الهيكل الوظيفي عقبات أمام الإناث لمجرد إيجاد صعوبة من الموظفين الذكور في تلقي تعليمات العمل من موظفات إناث، وبمجرد عدم إتاحة الفرصة للإناث في الوصول إلى مناصب عليا سيؤثر على رغبتهن في العمل والإبداع والتميز، والالتزام بتعليمات العمل وجديتهن خلاله، وتليها العوامل الثقافية كتأثر المرأة بالقوالب النمطية المستمدة من الموروث المتضمن العادات والتقاليد في المجتمع التي تؤدي لزعزعة ثقتها بنفسها وإضعاف مشاركتها في العمل، ومن ثم العوامل القانونية، والتي يقصد بها أثر التشريعات والقوانين الصادرة كوجود قوانين تنص على التساوي وتأثر ذلك بالضغوط الاجتماعية والفكرية، والتي من المفترض أن يتم العمل على تلافيها عند وضع وتطوير التشريعات، كقوانين إجازات الأمومة والولادة التي تخل بالتساوي بين الجنسين، وتقلل من أداء المرأة خلال العمل، ثم تأتي بعد ذلك العوامل الأسرية.
وبينت بوبس أن التكوين الأسري للمرأة يلعب دوراً كبيراً في قوة وبناء وتماسك شخصيتها، ويعزز قدرتها على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، ويقع على عاتق المرأة عموماً الالتزام بمعظم الأعمال الأسرية والمنزلية وتربية الأبناء مما ينعكس سلباً على تحقيق التوازن بين هذه الأعباء وعملها، وبالتالي يؤثر على أبعاد نشاطها في سوق العمل، إضافة إلى العوامل الفردية المتعلقة بالتكوين البيولوجي للمرأة الذي يفرض عليها الالتزام بأعمال معينة دون غيرها من الأعمال، وتالياً التكوين النفسي للمرأة الذي يجعلها معرضة بصورة أكبر للضغوط النفسية، وتؤثر هذه العوامل سلباً على نشاط المرأة كبقائها في المنزل خلال فترة الحمل أو في ما بعدها.
تغيير النظرة
وترى الدكتورة قبلان أنه لا بد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات وبشكل سريع للحد من ظاهرة الحاجز الزجاجي والتخلص من تأثيراته كعقد ندوات وحوارات مع شخصيات المجتمع المحلي لتوضيح أهمية عمل المرأة، وإبراز قدراتها الوظيفية الحقيقية للتقليل من الصورة السلبية النمطية المشوشة التي تعيق عمل المرأة وتقدمها في بيئة العمل، وإقامة برامج تدريبية لتنمية وتطوير المهارات القيادية للمرأة، ورفع كفائتها المهنية والعلمية، والعمل على وضع قوانين تسمح بتعزيز إسناد الوظائف الإشرافية للمرأة لضمان تمثيلها في الوظائف العليا في كافة المنظمات والجهات، وزيادة إشراك المرأة في اتخاذ القرار ضمن عملها مما يعزز تمسكها والتزامها بالعمل، وتشجيع الأفكار الإبداعية لدى العاملات وتحفيز روح المبادرة والتطوير الذاتي لديهن، وإنشاء دور الحضانة في كافة أماكن عمل المرأة التي لا تتضمن تلك الدور مما يساهم في مساعدة المرأة العاملة في تحقيق التوازن بين مسؤوليات عملها وأسرتها، والاهتمام الدائم بالدراسات والأبحاث التي تعنى بدراسة المشكلات التي تواجه المرأة العاملة وتقلل من أدائها الوظيفي، والاهتمام بقضايا المرأة نظراً لأهميتها ودورها الكبير الذي يبدأ في إنشاء الأسرة وصولاً لعلاقاتها بالمجتمع.
بشار محي الدين المحمد