“المرور” غير المسموح..!!
علي بلال قاسم
ليس بجديد الكلام عن معاناة مركز مدينة دمشق من الاختناقات والازدحامات المرورية، جراء النمط العمراني والتخطيطي المتداخل ما بين الطراز القديم الموروث والآخر الجديد الذي قدر له أن يكون مراعياً لاعتبارات خصوصية دمشق العتيقة، لدرجة لا يمكن فصل هذا التماذج والتداخل المقبول أحياناً والمشوه في كثير من الأحيان..!
المفارقة أنه، ومع الزمن، تعددت وتنوعت الطروحات والحلول التي تخرج قلب المدينة من حالة ضيق النفس والاعتلال المروري، لتكون في معظمها ترقيعية إسعافية ومؤقتة أو حتى تجريبية تتم العودة عنها لعدم النجاح في أغلب الأحيان..!.
في أرشيف المحافظة وإدارة المرور حلول تجسدت بشوارع ذات مسرب واحد فقط، إما ذهاباً أو إياباً، وهذا ما يتم اللجوء إليه في كل ظرف، والجديد الذي يحمل اعترافاً في شكله ومضامينه كان تصريح رئيس فرع مرور دمشق الأخير: هناك الكثير من العقد والحلول الهندسية التي لم يتم إنجازها حتى الآن، كما أنه لم ُيلحظ إنجاز أي مشروع مروري مهم خلال الفترة الماضية وذلك بسبب ظروف الأزمة ووضع المحافظة، والحل الموجود لدى مديرية هندسة المرور من خلال وضع عقد أو جسر أو نفق.
ولأنه محكوم على جل مشروعاتنا الحيوية بالإخفاق، فإن مصير حلم دمشق والمتمثل بالحل الجذري من خلال إحداث مترو أنفاق هو التأجيل الذي حصل منذ ولادة الفكرة بحد ذاتها، لاعتبارات أولها القيمة التراثية لدمشق، وآخرها الفاتورة الكبيرة لهكذا مشاريع تنموية واقتصادية كبرى دفعت بالشركات ألا تقدم عليه بسبب التكلفة الباهظة وعدم التناسب مع الدخل.
وهنا نستذكر توقعات قيلت من أزمان بأنه في حال تنفيذ المشروع سيكون سعر التذكرة 5000 ليرة ـ قابلة للزيادة مع الوقت – كي يكون مجدياً اقتصادياً للمستثمر، كون سعر التذكرة الدولية يتراوح بين 1 و2 دولار، وهذا السعر لا يتناسب مع الدخل في سورية، علماً أنه وخلال السنوات الماضية جرت لقاءات مع وفود خارجية منها صينية وإيرانية بغية إحياء مشروع مترو دمشق، وقدمت المحافظة العروض وتلقت دراسات وعروض من تلك الوفود لكن لم يتم التوصل لاتفاق.
وفي السياق، تحدثت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي منذ سنتين عن نيتها إعادة تفعيل مشروع قطارات نقل الضواحي بين دمشق وريفها الذي بدأت به المؤسسة منذ عام 2003، ووصلت نسبة الإنجاز فيه إلى 70% ويتضمّن مسارات تحت الأرض وأخرى فوقها على عكس المترو الذي يكون بكامله تحت الأرض، لكنه توقف خلال سنوات الحرب بسبب عدم وجود التمويل.
ومع معاناة دمشق من أزمة في المواصلات والمحروقات بشكل مستمر، يأتي تحليل الخبراء الأجانب الذين يعرفون بنية دمشق عن كثب أنه من الناحية النظرية والتطبيقية، فإن بناء المترو في دمشق هو أمر ممكن، مرجحين اكتمال الأمر تقنياً بوجود تربة جيدة لبناء الأنفاق ميكانيكياً، لكن يبدو أن المسألة مرتبطة بهوية قلب المدينة ومحيطها – كما حصل مع فكرة السماح بالبرجيات – والتي وئدت في أرضها منذ عقود؟
بكل الأحوال ثمة حاجة ماسة لمعالجة معضلات دمشق المرورية، إن كان بالحلول العلاجية المنطقية أو بالحل الجذري “المترو” الموجع والمكلف، فالبقاء على الوضع الحالي يعني مزيداً من الاعتلال والتحديات التي تؤرق المخطط والمبرمج والحياة العامة معاً..، وبناء عليه سنبقى نجتر المعاناة بالأنفاق والجسور والعقد أو بدونها.