قلعة ماكرون تتصدع
هيفاء علي
في الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والمزمع إجراؤها في شهر نيسان المقبل، تحتدم المنافسة بين المرشحين، وتزداد وتيرة العمل في الصحافة ووسائل الإعلام الفرنسية، التي تعجّ بالتحليلات والتعليقات بشأن برامج وفرص الفوز بالنسبة للمرشحين.
وحتى الآن لم يحسم بعد العدد النهائي للمرشحين، خاصة وأن ماكرون أكد مؤخراً في مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان” أنه لم يحسم قراره بعد بشأن ترشحه. ومع ذلك يحذّر محللون من أن فوزه ليس مضموناً، ويتوقعون أن تكون فاليري بيكريس، مرشحة الجمهوريين، أي اليمين، المنافس الأكبر لماكرون، بالإضافة إلى زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان، واليميني المتطرف، أريك زمور.
في هذا السياق، تتحدث بعض الصحف الفرنسية عن ازدياد الشقوق والتصدعات في قلعة ماكرون بشكل أسرع وأعمق مما يمكن تخيّله، حيث يعاني ماكرون من سلسلة من خيبات الأمل، ذلك أنه بعد التخلي عن جواز السفر الصحي في العمل، يجب على الحكومة التعامل مع الأعضاء الذين يتمردون، والشقوق في كل مكان في المبنى وفي “السرد” الذي تستخدمه لتبرير سياستها المتمثلة في الفصل، وتقول إنه حان الوقت الآن لتكثيف الضغط لإبعاد هذا الرئيس.
لم تسقط قلعة ماكرون بعد، لكن الشقوق وحتى الثغرات تفتح في المبنى، ما يشير إلى أن كل شيء بات ممكناً الآن. في الصيف الماضي، انتظر ماكرون حتى عشية اليوم الوطني للإعلان عن التطعيم الإجباري للعاملين في قطاع الصحة والبطاقة الصحية. وهو لم يقبل بحجة الموجة الخامسة المزعومة لفرض إجراءات مقلدة من إيطاليا، ولم يكن راضياً عن جعل مستشاري الدولة يعملون بين عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، كما طالب النواب بتسريع المناقشات حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالتقويم الذي يتمّ فيه تحديد التفاهمات السياسية، فمن الذي ينخدع الآن بخضوع السلطة في فرنسا لمصالح شركة “فايزر”؟.
تدريجياً، تترسخ “رواية” الحكومة، وتتزايد الشكوك حول اندفاع ماكرون للتجديد لشركة “فايزر”. وفي الشارع الفرنسي، يتحدثون في كل مكان أن الجرعة الثالثة لا جدوى منها على الإطلاق، وأن أولئك الذين يعانون منها في كثير من الأحيان يتحملون العبء الكامل من الآثار الجانبية المزعجة التي يصبح من الصعب إخفاؤها، والإعلان عن جرعة رابعة، في ظل هذه الظروف، أضعف إلى حدّ كبير مصداقية سياسة ماكرون.
يذكر أن ماكرون تسبّب بإشعال جدل سياسي حاد بشأن التعامل مع وباء كورونا، حيث احتدم السجال في الساعات الأخيرة عندما قال في مقابلته مع الصحيفة نفسها: “إنه سيضيق الخناق على غير المطعمين لافتقارهم روح المسؤولية”، وذلك قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية. وكان الغليان قد امتد إلى البرلمان ما أدى إلى إلغاء جلسة للجمعية الوطنية للمرة الثانية لبحث مشروع قانون لاستبدال الشهادة الصحية بشهادة التطعيم.
فإذا كانت الانتخابات الفرنسية السابقة قد شهدت نسبة غير مسبوقة من العزوف الانتخابي، فإن استطلاعات الرأي تتوقع ارتفاعاً ملموساً في نسبة المشاركة في الانتخابات الفرنسية الرئاسية المُقبلة، خاصة وأنّ الأزمة الصحية التي رافقت انتشار فيروس كوفيد 19 خلّفت ارتفاعاً في نسبة اهتمام الفرنسيين بصناعة القرار السياسي وبدواليب الحكم.
ولعلّ أهم ما يشغل الفرنسيين هو الهوة المتزايدة بين القدرة الشرائية للفقراء والأغنياء، إذ أظهر تقرير صدر عن “معهد السياسات العامة” أنّ الواحد بالمئة الأكثر ثراءً هم أكبر المستفيدين من عهدة ماكرون، إذ ارتفع دخلها بـ4% مع تراجع دخل الفئة التي تعيش بأقل من 800 يورو شهرياً بـ0,5%، ما يعزز الاعتقاد السائد لدى الفرنسيين بأن ماكرون “رئيس الأغنياء”.
ويرتبط تراجع القدرة الشرائية بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال فترات الحجر الصحي، والتي تسبّبت في اندثار العديد من فرص العمل، وتراجع النمو الاقتصادي بنسبة 8% خلال العام 2020. وإضافة إلى قضايا القدرة الشرائية والهجرة، تطفو على السطح قضية الهيمنة الأوروبية على التشريع الفرنسي، وهو ما دفع مرشح اليمين إريك سيوتي لأن يصرح بأنه في حال وصوله لقصر الإليزيه فإنه سيُلغي المعاهدة التي تقضي بِسُموّ القانون الأوروبي على القانون الفرنسي.