الطبع..!
حسن حميد
يظنُّ الواهمون أننا عرفنا كلّ ما يريده الصهاينة وما يحلمون به، وذلك من خلال أفكارهم التي صاغوها طوال سنوات حتى صارت كتابهم السياسي الذي اشتمل على أبعاد كثيرة، منها الدينية، والاجتماعية، والثقافية، والتاريخية. والحق أننا عرفنا الصهيونية ومرتكزاتها أكثر من السلوكية التي نهجتها طوال أزمنة قاربت مئة سنة وأزيد، وهي سلوكية أنانية مبنيّة على الغطرسة وكراهية الآخر، وهذه المرتكزات والأفكار ليست نهجاً يُدرس فيطبق، وإنما هي طباع وصيغة عيش عرفتها الصهيونية كنهج، وتوارثها معتنقوها جيلاً بعد جيل، فالحياة لهم والموت للأغيار (الغوييم)، والفرح لهم والأحزان للأغيار، وكل ما هو غير يهودي هو خلق ناقص، خُلق من أجل خدمتهم وتنفيذ رغباتهم! وهذا الطبع جرثومة يتوارثونها بالجينات ويتفاخرون بها؛ فإن سادوا جعلوها للاعتزاز، وإن خضعوا للآخرين تلاوموا لأنها “الجرثومة” هي التي تدفعهم إلى ممارسة ما يغيظ الآخرين بتصرفاتهم وسلوكياتهم! وهذه الجرثومة طبيعية ومصنّعة في آن معاً، أي أنها موجودة أصلاً في طباعهم، ولكنها تصير أكثر شططاً وعنصرية حين تُغذى بالأفكارِ وامتلاكِ القوة، وانتهازِ الفرص.
نحن عرفنا طباعهم، وممارساتهم، وأحلامهم، وما يرمون إليه من غايات بعيدة وقريبة من خلال الآداب العالمية التي تحدثت جميعها عن طباع الشخصية اليهودية قبل الإعلان جهراً عن أفكار الصهيونية، وقبل إقامة الكيان الصهيوني تحت مسمّى “إسرائيل” في عام 1948، وقبل أن يظهر غلاة الصهيونية الذين استندوا إلى القوة الغربية التي عبثت بالعالم كلّه، جغرافياً على الأقل، عبث المجانين والحمقى معاً.
خذوا الأدب الذي كتبه شكسبير، أي قبل 500 سنة وأزيد، ستجدونه يتحدث عن سلوكية المرابي اليهودي الذي لا يعرف قدراً للكتب أو الفنون أو التاريخ أو الأرض.. قدر ما يعرفه قدر النقود، وخذوا ما كتبه طاغور عن يهود الهند، ستجدون الصورة نفسها، وخذوا ما كتبه أدباء روسيا دوستويفسكي، وبوشكين، وتورغينيف.. لتروا طباع اليهودي الذي وصف بدود العلق الذي يعيش على دماء الآخرين، وخذوا ما كتبه الأدباء اليهود أنفسهم ستجدونهم يجهرون بالعنصرية والدعوة إلى تسيّد قيادة العالم حين ينعتون اليهودي بصفات خارقة لم يعرفها طوال تاريخه.
وأتحدث، هنا، عن الطبع، لأن ما من روائز تستطيع معرفته، ولا من قوة أو معايير تستطيع التحكّم به لأنه طبعٌ غدا صيغة عيش. وهنا أذكركم، أيها الكرام، برواية الأديب الأمريكي أرسكين كالدويل (-) وعنوانها (جريتا) التي تتحدث عن فتاة امتهنت الدعارة حتى صارت حياتها، أو أنها صارت صيغة عيش لها، وقد تعرّفت في إحدى مناوراتها مع الزبائن إلى طبيب، وبعد معاشرته أعطاها ما طلبته، عشرة دولارات، فرفضت أخذها لأنها ورقة نقدية عتيقة، فهي اعتادت ألا تأخذ سوى ورقة نقدية جديدة من فئة عشرة دولارات، فأعطاها واحدة جديدة، وحين أعجب بها الطبيب طلب يدها للزواج فوافقت لأنها أعجبت به، وعاش الاثنان سنة من دون مشكلات، وحدث أن سافر الطبيب في مهمة مدتها خمسة عشر يوماً قضاها في معسكر طبي، وحين عاد، استقبلته زوجته بحفاوة، ولكن عينه رأت قطعة نقدية من فئة عشرة دولارات جديدة على الطاولة، فسألها عنها: فهزت رأسها لتشير إلى أنها، في غيابه، عادت إلى ما كانت عليه من عملها سابقاً، فسألها: لماذا؟! أما تواعدنا وأقسمنا؟!.
قالت: الأمر ما كان بيدي، إنه الطبع!.
بلى، إنه الطبع!.
Hasanhamid55@yahoo.com