بعيداً عن المجاملات.. قراءة نقدية في “همسة بين الحبّ والحزن”
قليلةٌ هي المرّات التي تشهد المراكز الثّقافية قراءات موضوعية حول منتوج أدبي، سواء أكان الأوّل أم لا. فإنْ كان الأوّل فالخوف من إحباط صاحبه يمنع نقّاداً من رأي صادق، وإن كان الثّاني أو الثّالث فالمصالح والعلاقات تقول كلاماً معسولاً من فرطه يتلعثم لساننا و”تندلق” شفتنا السّفلى إلى غير رجعة. ونضيف إلى هذه المّرات ما شهدناه مؤخراً خلال حفل توقيع باكورة أعمال الشّاب ثابت معلم “همسة بين الحبّ والحزن” في المركز الثّقافي بالعدوي من موضوعية في طرح الآراء تشعل الأمل الذي أطفأته المجاملات والمحاباة.
وبعد مباركتها بالخطوة الأولى لشاعر جديد سيشاركهم الأمسيات في الأيام القادمة، صرّحت الشّاعرة خلود كريمو – خلال الإدلاء بشهاداتها الانطباعية – بوجود ملاحظات حول الدّيوان لكنّها فضّلت أن تخبره بها لاحقاً. تقول: الكتاب الأوّل أو الدّيوان الأوّل لا يخلو من هفوات باعتباره باكورة أعمال الشّاعر، مضيفةً: هناك شعراء كثر جمعوا بين الطّب والشّعر، والشّاعر يدرس الطّب كأنّه فنّ ويكتب الشّعر كأنّه علم، مراعياً المنطق والتّجديد والوضوح، لقد احتفى بمعاني الحبّ وتبعاته من صبابةٍ وهيام وشكوى وقد اختصّ الفتاة التي أحبّها بكلّ ذلك. وبالحديث عن الأدوات الفنيّة والوسائل التّعبيرية نجد أنّه تمكّن من المواءمة بين حالاته الشّعورية وأدواته الفنية لتأتينا القصيدة كموجزٍ مكتملٍ إلى حدّ ما، وغالباً ما كانت المضاضة تغلب على نصوصه فكساها معجم لفظي شكّل عباراتٍ وتراكيبَ تماهت مع المعنى، لكنّه قلّل من المحسّنات البديعية، وهذا ما يدلّ على عدم احتفائه بالصّنعة بل أطلق الأفكار من خوابي روحه لتكتسي بما يطيب لها من الكساء الفنّي باستثناء حالاتٍ معدودةٍ وردت عفو الخاطر، كما أنّه اعتمد على ذكر بعض العناصر المادية مسقطاً عليها انزياحاتِه الشّعورية ولاسيّما عنصر الماء الذي تكرّر في غير قصيدة.
وعلى خلاف ما يتحفنا به بعض النّقاد في قراءاتهم من مصطلحات رنانة عارية من أي مثال أو شاهد على ما يكيلونه من مديح وتغزّل، استهل الشّاعر إبراهيم منصور قراءته النّقدية بالإشادة بإلقاء الشّاعر الشّاب، مؤكّداً ضرورةَ أن تتمتّع المقاربة النّقدية بالأصالة والموضوعية بعيداً عن التّحامل والحقد والمجاملة، مضيفاً: معايير النّقد صارمة وعلمية والمجاملة لا تفيد. من باب المسؤولية قرأت الدّيوان كلمةً كلمة، وكنت أتمنّى أن يتريث الشاعر قليلاً فالمجموعة الأولى عند الجميع تكون بسيطة دائماً، لكن الأمر الأكثر كارثية من ذلك هو الوقوع في الأخطاء اللغوية والنّحوية والعروض والوزن.. النّصوص مليئة بالأخطاء من جهة المبنى والمعنى واللغة، وهناك كسور في الوزن وفساد في القوافي، يوجد علم خاص بالقوافي ولا يجب أن نطلقها على عواهنها، إضافةً إلى التّكرار والرّكاكة أحياناً والاعتماد على الأفكار المستهلكة بعيداً عن الابتكار.
ودعّم منصور قراءته بالأمثلة، يقول: يجب على الشّاعر أن يتقن اللغة، في النّصوص مبتدأ منصوب وفاعل منصوب وفعل مجزوم بغير أداة جزم وخبر منصوب.. على سبيل المثال في أحد النّصوص هناك ياء على الفعل (ظلمتِ) وفي القول: “يا من ملكت القلب يا متمردة” خطأ بالعروض.
ملاحظات ونصائح تقبّلها الشّاعر الشّاب القادم من الطّب برحابة على خلاف الكثير من الهواة الشّباب الذين لا يتقبّلون النّصح أو النّقد وينطبق عليهم مقولة “يا أرض اشتدي ما حدا قدّي”، مصرّحاً بأنّ دراسته التي تستهلك جلّ وقته لا تتيح له التّعرّف على الكثير من الأدباء، كما أنّ الحظ لم يكن حليفه ويعرّفه بشعراء أصدقاء يأخذون بيده أو بمدقق لغوي يصحح أخطاء غفل عنها.
قراءات موضوعية ونقاشات مهمّة استمرّت حتّى بعد انتهاء الوقت المخصّص، ولم تكلّف أحداً ابتسامةً صفراءَ أو كلمةً كاذبةً أو مجاملةً سندفع جميعاً ثمنها في مستقبلنا الثّقافي، إن صحّ التّعبير.
نجوى صليبه