رغم الرعاية.. أيام الفن التشكيلي السوري (4) حافلة بالكبوات!
باحتفالية فنية أقامتها “مديرية الفنون الجميلة”، ورعتها وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح، واحتضنتها دار الأسد للثقافة والفنون في العاصمة دمشق، أطلق الموسم الرابع لـ”أيام الفن التشكيلي السوري” في 12 كانون الأول الفائت، ليتوالى افتتاح الأنشطة والفعاليات المرافقة حتى الـ23 منه.
وعلى خلاف القول الشائع: “وعين الرضا عن كل عيب كليلة”، كان عصيّاً على عين محب غيور، أن تغفل أو تغضّ الطرف عن هفوات غصّ بها الموسم الرابع، نغّصت بشكل وآخر، وأثارت استهجان بعض القائمين بالأنشطة والمشاركين وجمهور الفن التشكيلي ومتابعيه.
وعليه آثرنا أن نوردها كما لمسناها، وكنا شهوداً على بعضها، أو وفق ما وردتنا، بعد التقصي والتحقيق، مشرعين باب الردّ، راجين أن يتسع صدر المعنيين لما يلي من ملاحظات ونقد.
حفل الافتتاح..
لم يأتِ حفل الافتتاح بالسوية والاهتمام الذي حظيت به احتفالية “أيام الثقافة السورية”، سواء من حيث الحضور، الذي لم يتجاوز ثلث استيعاب مسرح الأوبرا، وكذلك من حيث تواجد وتغطية الوسائل الإعلامية. علاوة على ما يؤخذ على قائمة الشخصيات المكرّمة: في تركيزها “شبه الطاغي” على التصوير (الرسم)، والنحت، على مدى المواسم الأربعة، في ظل غياب “شبه تام” لرواد وفناني صنوف أخرى من التشكيل، وكأن التشكيل السوري يقتصر فقط على التصوير والنحت!.
دليل غير لائق..
ملاحظات عديدة تطال دليل “أيام الفن التشكيلي السوري” للموسم الرابع، الذي أتيح اقتناؤه لحضور حفل الافتتاح. تضمّن الدليل، ذو القطع المتوسط، وصفحاته الـ192، برامج فعاليات الموسم الرابع، والتعريف بالمكرّمين، والمكرّمة ذكراهم، بالتزامن مع ذكرى 110 سنوات على ميلاد المعلم محمود جلال، إضافة للمواسم الثلاثة السابقة.
على صعيد المضمون، ثمة ملاحظات عدة، منها:
غياب التدقيق (أخطاء مطبعية، إملائية، وصياغة)، ونشر نص وصور فيلمي افتتاح الموسم الأول والثاني على مساحة تقارب 70 صفحة، وخلل في التتالي والتعاقب والتسلسل، وإغفال دور الإدارات السابقة التي أسّست الاحتفالية، والمواسم السابقة، والإشارة فقط لدور إدارة الموسم الحالي.
غياب ترقيم الصفحات والفهرس، لم يكن الملاحظة الأبرز على صعيد تصميم وإخراج الدليل، بل تكرار صفحات بأكملها، وتعدّد أحجام وأنواع الخطوط، واختلاف الهوامش، ومعالجة صور الأعمال الفنية.
قائمة الفعاليات..
نشرت على صفحة “فيس بوك” وزارة الثقافة، ومديرية الفنون الجميلة، قائمة غير وافية للفعاليات والأنشطة المقرّرة، وفي حين جاء برنامج الفعاليات في الدليل المطبوع أكثر تفصيلاً إلا أنه اتسم أيضاً بعدم الشمولية والدقة، حيث لم تفتتح معارض الصالات الخاصة كلها في الخامسة، كما جاء في الدليل، الذي غاب عنه التنويه عن: افتتاح صالة عرض جديدة في دمشق، وفعاليات أخرى ملحقة، علاوة على فعاليات بعناوين مغايرة كلياً لعناوينها الفعلية.
تأجيل معرض الخريف..
الكبوة الأبرز التي أثارت حنق عدد كبير من التشكيليين، وتندّر المهتمين: حين قررت “مديرية الفنون الجميلة” قبل يوم من فعالية معرض الخريف تأجيل الافتتاح لأسبوع كامل، وذلك “لأسباب تنظيمية”، مكتفية بإعلان ذلك على صفحتها وصفحة “فيس بوك” وزارة الثقافة؛ لتنطلق كـ”نار في هشيم” شائعة تربط سبب التأجيل بتعارض موعد الافتتاح مع إقامة حفل زفاف في خان أسعد باشا، الذي يستضيف الفعالية، والتابع للمديرية العامة للآثار والمتاحف في وزارة الثقافة، في حين يعود قرار تأجيل معرض الخريف للجهة المنظمة (مديرية الفنون الجميلة) حصراً، وما حدث من إرباكات فمردّه لعدم التنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، التي يتبع لها خان أسعد باشا حيث يقام فيه معرض الخريف منذ مواسم عدة خلت.
ورغم تصريح “الجهة المنظمة” لوسائل الإعلام بأن “معرض الخريف السنوي أهم فعالية فنية سورية، لكونها تحمل نتاجات أكثر من 100 تشكيلي، من مختلف المحافظات السورية، أتى بعضهم من أماكن بعيدة، متكبداً عناء ومشقة وتكاليف السفر، وشحن العمل الفني، والإقامة”، إلا أنّ قرار التأجيل الذي جاء قبل يوم من موعد الافتتاح، ضرب بعرض الحائط بأهبة، وعناء، وثقة، وحضور، ونفسية، أكثر من 100 تشكيلي، من مختلف المحافظات السورية، وهو ما أدى لانسحاب بعض التشكيليين عائدين إلى محافظاتهم حاملين الكثير من الخيبة، والعتب، واللوم.
وبحسب ما يرويه عدد من التشكيليين، تتجنّب الأسماء المهمة، وعدد كبير من التشكيليين، المشاركة في معرض الخريف لأسباب عدة، أبرزها: غياب التنظيم والتنسيق اللائق، المبلغ الذي تقتني به وزارة الثقافة الأعمال التشكيلية (لا يغطي ثمن كلفة موادها الخام)، إضافة لإجراءات البيع الروتينية المعقدة، التي تحدّ من إقبال الزوار على الاقتناء.
تشكيليون شباب أعربوا عن استهجانهم للأسلوبية التي تعاملت بها معهم الجهة المنظمة لمعرض الخريف، إذ أن الأخيرة استلمت لوحاتهم (بعد إتمامهم الإجراءات المطلوبة)، إلا أنهم صعقوا عندما حضروا الافتتاح، ولم يجدوا لوحاتهم بين الأعمال المعروضة؛ وعند مراجعتهم الجهة المنظمة تذرّعت بحجج واهية، وغير لائقة، تنمّ عن استخفاف، وعدم مسؤولية (بحسب قولهم).
مطبّات أخرى..
حظيت بعض أنشطة أيام الفن التشكيلي السوري/ الموسم الرابع، دون غيرها، بحضور رسمي في افتتاحها، ما أثار عدم رضا وعتب “أصحاب الفعاليات” التي لم تنل من الاهتمام ما نالته الأخرى.
لم تمتد “أيام الفن التشكيلي السوري” كما يدلّ اسمها على الجغرافية السورية، بل جاءت أغلب أنشطتها وأكثرها نوعية مركّزة في دمشق.
اهتمت “مديرية الفنون الجميلة” خلال “أيام الفن التشكيلي السوري” عبر صفحتها “فيس بوك” بالدعوة والترويج لأنشطة وفعاليات “الجهات الحكومية”، في حين لم تحظَ أنشطة وفعاليات “القطاع الخاص” بالتغطية أو النشر والترويج.
من أبرز المطبّات التي تقع فيها الجهة المنظمة: تكريس أسماء بعينها لتكون فاعلة من خلال تكليفها بحقائب ومهام عدة، يتعذر معها على المكلف القيام بالحقائب الموكلة إليه، وإتمامها بإتقان، وإشباع، وروية، في مقابل إبقاء الكثير من الكفاءات في خانة المتفرجين، خارج إطار المساهمة والمشاركة والتكليف. كما ضمّت قائمة اللجنة العليا لـ”أيام الفن التشكيلي السوري” عضواً غير متواجد داخل سورية أثناء فترة التحضيرات.
ختاماً.. حق الرد محفوظ
يشوب الموسم الـ4 لـ”أيام الفن التشكيلي السوري”، من حيث التنسيق، والتنظيم، والإعداد، والضبط، هنّات وكبوات عدة، لا تليق بالرعاية التي ينالها، وبلجنته العليا الموقرة، والجهة التي يمثلها، والخبرة المتراكمة المكتسبة على مدى ثلاثة مواسم خلت.
وعليه.. ثمة استفهام كبير: لماذا تنفرد “أيام الفن التشكيلي السوري” دوناً عن سواها من فنون وآداب وثقافة باستقلالية عن احتفالية “أيام الثقافة السورية”، التي لا يفصل بين إطلاقهما سوى 20 يوماً؟..
أليس في دمج “أيام الفن التشكيلي السوري” بـ”أيام الثقافة السورية” تفاد لأغلب ما ورد من عثرات، علاوة على تقليص النفقات والمصاريف في راهن سوري متلاطم الأزمات؟.
ملهم الصالح