إسناد اختبارات الطاقات المتجددة لـ “الخاص” يثير المخاوف.. و”المركز الوطني” يطمئن: العمل مؤتمت وباعتمادية عالمية
نظراً لأهمية قطاع توليد الطاقات المتجددة، سواء عالمياً أو حتى محلياً، في ظل ما نعانيه من عجز في قدرة قطاع توليد الكهرباء الذي انخفض مؤخراً من 3 إلى 1,9 غيغاواط، في حين بلغ الاحتياج في موسم الشتاء الحالي 8 غيغاواط، تتبادر للأذهان العديد من المنغصات والمعوقات لجهة معاناة المواطن بالحصول على السلع بالجودة الأمثل، وبالسعر المناسب، وبالمقابل فقد أعلنت وزارة الكهرباء عن خطوتها الضامنة لحماية هذا القطاع عبر الترخيص لمخبرين تابعين للقطاع الخاص للرقابة على جودة معدات الطاقات المتجددة من اللواقط الشمسية، والعنفات الريحية، والبطاريات، والأنفرترات.
تحفظات كبيرة
أثار موضوع الترخيص لمخبرين تابعين للقطاع الخاص، سواء في الوسائل الإعلامية، أو لدى بعض خبراء الطاقة، مجموعة من التحفظات والتساؤلات المقلقة لجهة أن ملكية المخبرين للقطاع الخاص قد تتناقض مع الآليات الرقابية والبحثية، ومتطلبات الجودة، كون قطاع الطاقات البديلة عالي التقنية، وكافة تجهيزاته يجب أن تخضع لأدق وأعلى المعايير والمواصفات، كما أن وزارة الكهرباء بررت إسناد المهمة للقطاع الخاص بسبب العجز عن التكلفة، حيث ثار التساؤل إن كان القطاع العام عاجزاً عن تأمين كلفة المخبر المقدرة ما بين 1 – 2 مليون دولار، فهل القطاع الخاص قادر على هذا المبلغ؟.
مصدر في مركز البحوث الصناعية التابع لوزارة الصناعة ذكر أن هناك ضغوطاً تمارس عليه لتغيير نتائج اختبارات أجراها مركزه، فإذا كانت هناك ضغوط لتغيير نتائج على مركز تابع للقطاع العام، فكيف سيكون الحال في الخاص؟.. مشيراً إلى وجود مراكز اختبارات حكومية كالمركز الوطني لأبحاث الطاقة، ومركز الاختبارات الصناعية، ومختبرات كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، ومع ذلك نعطي القرار للقطاع الخاص؟.
هناك فرضية، كون المخبرين تابعين لشركات خاصة، أن يكون لتلك الشركات أو الجهات النفوذ والقول الفصل في تقويم التجهيزات، وتمرير ما ترغب تمريره منها، أو يكون استثمارها في ذلك حصانة لصفقاتها من خلال طرق اعتادها المواطن.
10 ملايين دولار
لكن مدير المركز الوطني لأبحاث الطاقة الدكتور يونس علي بدا أكثر من مطمئن لجهة تبعية المخبرين للقطاع الخاص، وقدم العديد من الأسباب التي حدت بوزارة الكهرباء لاتخاذ تلك الخطوة، فبرأيه، وجود مخابر تابعة ومملوكة للقطاع الخاص لا يتناقض أبداً مع آليات ضبط الجودة نهائياً لأسباب عديدة، مشيراً إلى وضع ضوابط ومعايير فنية، وإدارية، وقانونية صارمة ومحددة لإنشاء وآلية تشغيل هذه المخابر التي تحقق مستوى عالياً من اختبار تجهيزات الطاقات المتجددة وفق المواصفات والمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال، كما تضمن قرار الوزارة رقم 1578 لعام 2021 المعايير والأسس اللازمة لمنح الاعتمادية لهذه المخابر، وسيكون عمل هذه المخابر بإشراف مباشر وخطوة بخطوة من قبل المركز الوطني لبحوث الطاقة، وستخضع كافة الاختبارات لآليات تحقق ومراقبة من قبل كوادر متخصصة، وعلى تلك المخابر إجراء الاختبارات للتجهيزات التي تحوّل إليها من قبل المركز بهدف إصدار تقرير اختبار وفق المعايير المحددة، في حين أن مهمة إصدار شهادة المطابقة من قبل المركز حصراً، وذهب مدير المركز إلى أن تحقيق مبدأ الحيادية المفترض توفرها في نظام الجودة المعتمد عالمياً، وموضوع الحوكمة واستقلالية عمل الجهات الناظمة للجودة، أمر في غاية الأهمية، ويتطلب وجود مخابر مستقلة تماماً عن الجهات المانحة لشهادات المطابقة، وباعتبار أن الجهة التي تصدر شهادة مطابقة الجودة لتجهيزات الطاقات المتجددة ستكون حكومية، في حين المخابر غير حكومية حيادية، فإن ذلك سيحقق مبدأ الحوكمة والحيادية.
وحول ما أثاره الخبراء عن موضوع كلفة المخابر، تحدث علي عن متطلبات آلات المخبر، بالإضافة للحاجة إلى مبان كبيرة بمواصفات دقيقة، ومستودعات، وروافع بتكاليف ضخمة، وهذا ما لم يحسب تكلفته الخبراء، وتقدر بـ 5-10 ملايين دولار، فهناك تكلفة تأسيسية للمخبر الواحد قد تصل إلى حوالي 50 مليار ليرة، وهو مبلغ مرهق للخزينة العامة للدولة في الوقت الراهن، والتوجه الحكومي الحالي يؤكد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تأمين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصدور تشريعات للتشاركية والاستثمار، وهذا يحتم تغيير النظرة للقطاع الخاص الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ، ومكوّناً من المكونات الأساسية في اقتصاد الدولة.
الحاجة للسرعة
ويرى علي أنه خلال السنوات الخمس القادمة سنلحظ ازدياداً مضطرداً لحجم المستوردات من تجهيزات الطاقة المتجددة، وبالتالي من الضرورة ضبط ومراقبة جودة هذه التجهيزات من مبدأ حماية المستهلك، وهذا يحتم وجود المخابر المطلوبة بأسرع وقت ممكن، لأن التأخر في ذلك سوف يؤدي إلى إغراق السوق بتجهيزات رديئة المواصفات، وإقامة مثل هذه المخابر من قبل الجهات العامة في ظل محدودية الموارد المالية، وصعوبة تأمين السيولة اللازمة، إضافة لإنشاء المباني الخاصة بالمخابر، وتوريد التجهيزات المخبرية من الخارج في ظل العقوبات الاقتصادية قد يعقّد الموضوع ويزيد المدة، ويكون السوق قد أغرق بالتجهيزات السيئة.
آليات مؤتمتة 100%
واستبعد مدير المركز وجود أي تواصل مباشر بين مستورد التجهيزات المراد اختبارها والمخابر، حيث سيُعتمد نظام ترميز خاص مشفّر بالعينات التي سترسل من قبل المركز الوطني لبحوث الطاقة إلى المخبر، ولن يعلم المخبر عائدية التجهيزات المختبرة، كما أن آليات الاختبارات ستكون مؤتمتة ودون أي تدخل للعنصر البشري، بحيث تكون سلسلة الاختبارات محمية بنسبة 100% من أي تدخل لتغيير نتيجة الاختبار، مع وجود نظام مراقبة مستمر ومسجل الكترونياً لعملية الاختبارات، ومتصل شبكياً مع المركز خطوة بخطوة، وبشكل يمنع أي غش أو تلاعب في عملية الاختبار والتقرير الصادر، مؤكداً أنه لا يجب أن نأخذ التجربة المطبقة في أحد المخابر الحكومية، والثغرات الإدارية والتنظيمية التي تشوب العمل فيها على أنها القاعدة التي تحكم عمل أي مخبر حتى لو كان قطاعاً خاصاً يتمتع بنظام عمل محكم وناظم يضمن عدم تدخل العنصر البشري في عملية الاختبار، ويمنع إمكانية تعديل النتائج والتقرير، ولا ننسى أن هناك حالات الفساد التي قد يقوم بها بعض العاملين ضعاف النفوس لدى الجهات العامة، والناجمة عن وجود التواصل المباشر بين صاحب التجهيزات وهؤلاء العاملين، والذي يؤدي بشكل كبير إلى حدوث خلل في عمل المخابر.
مختبراتنا غير مؤهلة!
وأكد مدير المركز أن المخابر الخاصة التي سيتم الترخيص لها واعتمادها ليس لها مثيل في أية جهة عامة حتى تاريخه، بما فيها المركز الوطني لبحوث الطاقة، أو مركز الاختبارات الصناعية، أو في الجامعات الحكومية، لأننا هنا نتحدث عن مخابر متكاملة لاختبار تجهيزات الطاقات المتجددة: (لواقط كهرضوئية، بطاريات، أنفرترات، شواحن)، تحتاج مجموعة كبيرة من أجهزة الاختبار اللازمة لإجراء كافة الاختبارات وفق أعلى المواصفات العالمية، بالإضافة إلى أن عمل هذه المخابر يجب أن يكون وفق المعايير العالمية من النواحي الإدارية والتنظيمية والفنية والقانونية، ولو كان هناك مخبر مثل المخابر المراد إقامتها لما تم بالأساس فتح المجال أمام القطاع الخاص لإقامتها، فلدى المركز الوطني لبحوث الطاقة، أو بعض الجامعات، أو مركز الاختبارات الصناعية، بعض الأجهزة التي يمكنها إجراء بعض الاختبارات، لكنها غير كافية للحكم النهائي، أو لإصدار شهادة المطابقة، فضلاً عن أن دقة التجهيزات المتوفرة لديها لا تضمن صحة النتائج ليصار إلى قبول أو رفض إدخال التجهيزات المستوردة، لأن ذلك ستكون له منعكسات قانونية ومالية قد تلحق الأذى والضرر بالأطراف الأخرى، وقد ترتّب على هذه الجهات العامة مسؤوليات قضائية ومالية لا تحمد عقباها دون ذنب لها.
وتابع علي: إن الترخيص لإقامة مخابر خاصة لا يعني أن تكون لهذه المخابر سلطة أو صلاحية البت بجودة التجهيزات، لأن دور ومهمة المخبر ستنحصر فقط بإجراء الاختبارات المستقلة للعينات التي ترسل إليها من قبل المركز الوطني لبحوث الطاقة، وبإشرافه حصراً، في حين أن البت النهائي بصلاحية جودة التجهيزات من عدمه من اختصاص المركز الوطني لبحوث الطاقة، ولن يكون هناك أي تدخل من قبل المخبر في عملية المطابقة وإصدار الشهادة الخاصة بذلك، ولن تكون للمخبر أية علاقة مباشرة مع أي طرف أو جهة عامة أو خاصة مرتبطة بعمله سوى مع المركز الوطني لبحوث الطاقة.
حيادية وتفاؤل
وحول ما أثير عن تبعية المخابر لشركة قد يكون مجال عملها في استيراد معدات الطاقات المتجددة، طمأن مدير المركز بأن المعايير والشروط القانونية المحددة في الضوابط لمنح الترخيص والاعتمادية لأي مخبر، أن تتم إدارة المخبر من قبل شركة خاصة يتم تأسيسها خصيصاً لذلك وفق قانون الشركات النافذ، بحيث يكون النشاط الرئيسي لهذه الشركة هو إدارة وتشغيل المخبر، ولا يسمح لها بممارسة أي نشاط تجاري له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتجهيزات الطاقات المتجددة التي سيتم اختبارها في المخبر العائد لها، وهذا يحقق عنصر الحيادية المطلوب لعمل المخبر، ويمنع تمرير صفقات تجارية تكون لشركة المخبر أية علاقة بها.
وبيّن مدير المركز أن أي مخبر سيكون تابعاً لمراكز اختبارات عالمية ستؤهله لمنح شهادات الجودة والمطابقة، وستقوم تلك المراكز بقياس معدات هذه المخابر دورياً، والكشف على أعمالها في كل فترة، وهذا سيعزز ضمانات عمل هذه المخابر، ليس على مستوى سورية، بل على مستوى كافة دول الجوار، باستثناء السعودية التي تمتلك مخابر متطورة، وهذا قد يفتح المجال لزيادة حجم أعمال هذه المخابر، وإيراداتها، وتوفيرها فرص عمل مميزة.
بشار محي الدين المحمد