الكيان الصهيوني ينتهك الشرعية الدولية في قطاع غزة
محمد نادر العمري
في مدلول صارخ وواضح ومؤكد على تضييق الخناق الصهيوني على قطاع غزة ومواطنيها وفصائلها المقاومة ضمن ما يمكن تسميته سياسة التركيع، ما زالت “إسرائيل” تقيّد وتمنع منذ أكثر من 10 سنوات دخول المواد الضرورية للاقتصاد والقطاع الصحي والبُنى التحتية المدنية بحجة أنها مزدوجة الاستخدامات، ويضرّ النقص في هذه المواد بحياة السكان، ويحبط جهود الترميم والبناء وإعادة الإعمار.
هذا السلوك الصهيوني الغاشم أشارت إليه تقارير دولية كثيرة، حيث تضمّنت أن استمرار اتباع الحكومات الصهيونية لهذه السياسة سيدفع الفلسطينيين إلى المزيد من العمليات الفدائية ضد الصهاينة، كما سيدفعهم للتحرك في الضفة الغربية وغيرها من المناطق لتخفيف الضغط على غزة.
وتلجأ تل أبيب عادة لهذا التضييق من خلال إغلاق المعابر مع القطاع، أو عدم السماح بتمرير هذه المواد، وهو ما يدفع الشعب الفلسطيني ومواطني غزة للبحث في ابتداع الحلول لتخطي ذلك، عبر حفر الخنادق، وهو ما يعتبر من قبل مراكز الأبحاث الصهيونية بأنه “خطر في تطبيق الهدف لمنع الخطر”، بمعنى أن تضييق الخناق على غزة سيمنحهم الشرعية والدافع لحفر الخنادق لفك الحصار، وهو ما قد يساهم في نقل السلاح للمقاومة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر يعتبر البعض داخل الكيان أن تلقي جنود جيش الاحتلال الرشاوى مقابل التغاضي عن دخول أصناف من هذه المواد عبر المعابر قد يدفع الجنود لتسريب معلومات مقابل الحصول على مبالغ أكبر.
حتى الآلية التي تمّ التوصل إليها بين حكومة الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والمسمّاة بـ”آلية إعادة إعمار غزة”، والتي تمّ التوصل إليها بعد عدوان صيف عام 2014 بوساطة الأمم المتحدة، مجمّدة ولا تنفذ، ويعود ذلك لعدد من الأسباب، يبرز في مقدمتها عدم انصياع الكيان وحكوماته للشرعية الدولية، ورغبتهم في تركيع قطاع غزة ودفعه للاستسلام وتسليم سلاح فصائل المقاومة مقابل السماح بدخول المواد الاقتصادية، وتتبع إسرائيل “البيروقراطية المعقدة” وفق توصيف -المنظمات الإنسانية الدولية- وشروط المراقبة المبالغ بها وانعدام المسؤولية، كلها تعيق وتمنع دخول المتطلبات الأساسية الحياتية للقطاع.
كما تستهدف “إسرائيل”، من خلال منع دخول المواد للقطاع، استملاك البيوت والمناطق المهدمة والأراضي الزراعية المهجورة، بحجة أنها بقيت فترة طويلة شاغلة، وهو ما نصح به مركز “بيغن” للدراسات بعد الانسحاب من غزة عام 2005، حيث تضمّنت ورقة اقتراحاته حينها: “باعتبار أن قطاع غزة بات يهدّد الأمن القومي الإسرائيلي وبه فصائل تضمّ مقاتلين خارجين عن القانون – حسب وصف المركز – فإنه يحق لإسرائيل تدمير منازل هؤلاء المقاتلين ومنعهم من التملك ومن ثم استملاك البيوت والمنازل التي تعود لهم خلال عقود قادمة في حال لم يسلموا أسلحتهم أو يخرجوا من القطاع”، وهذا هو التوجّه نفسه الذي تتبعه الحكومة الصهيونية الحالية تجاه صحراء النقب، فهي ترفض أوراق ملكية الأراضي التي يملكها البدو وتعود لفترة الاستبداد العثماني، وتريد السيطرة على هذه الأراضي بحجة تشجيرها.
بطبيعة الحال، فإن استمرار الكيان الصهيوني في عدم السماح بدخول المواد الاقتصادية الضرورية واللازمة لإعادة الإعمار هو انعكاس لاستهتار الكيان المحتل بالشرعية الدولية والقانون الدولي، ويعكس حقيقة سياسة الإجرام والسياسة العنصرية التي لن تسقط إلا بفعل المقاومة التي من شأنها أن تغيّر موازين القوى لمصلحة الفلسطينيين بعد تخلي الحظيرة الدولية عن الدفاع عن حقوقهم الأساسية والضرورية.