الوجوه الأنثوية تحتفي بحزنها عند الفنان إميل فرحة
حمص – سمر محفوض
يتعامل الفنان التشكيلي إميل فرحة مع تجربته الفنية كأنها عملية تعرية للذات، ويعيد إنتاجها بعد أن تمرّ بمصهره الداخلي وتعبر طيات النفس العميقة في تقاطع ملفت مع البيئة والواقع اليومي المعاش، على اعتبار أن الفن مأخوذ من الواقع، ويتمّ صياغته بطريقة جديدة ومختلفة عن ذلك الواقع بطرق مختلفة تكون وسيلة لإبداء فكرة المبدع عن الواقع وإن اختلفت التصورات معه.
يرصد فرحة في أعماله الفنية مواطن الجمال ممعناً باجتياز أمكنة غاية في الخصوصية، ويوميات ترزح تحت وطأة التغيرات الكبرى لعوالم من الإبداع والأحلام، لإنشاء أشكال فنية خاصة تحاول اكتمال مشروعها.
إميل فرحة الفنان التشكيلي المتجدّد دائماً يمتلك طابعاً خاصاً ومواضيع لوحاته بغالبيتها تتضمن شخصيات أنثوية، تعبيراً عن مكانة المرأة في حياة الفنان كمنبع للجمال والحياة والأمومة والحب والخير والمعاناة، ولتتبدى وجوه شخصياته كحالة سكون تتقاسم الألفة زرقة اللون وتدرجاته مابين الرمادي المخضر والأفق المحمر بلطف الإشارة كمن يكتب قصيدة حب بتدرجاتها تفسح فضاء رحباً للتحليق وما تمّ التقاطه من علامات في الذاكرة والوجدان لتتحول إلى مكوّن تشكيلي وذائقة بصرية، انعكست في ملامح معاصرة وحديثة تمتلك خطوط خطابها الفني وتجيد معالجة هوامشها، تقترب من السرد في بعدها الخلفي وتمنح المتلقي الباحث عن الإبداع فرصة دراسة جمالية.
بدايات الإبداع والموهبة
رسم على الورق وترك انطباعاته وهواجسه على الجدران، لتصبح بعض لوحاته أيقونات في كنيسة قريته. يقول إميل فرحة عن تجربته: كانت البدايات في المرحلة الابتدائية في “لبنان”، عندها التقطت بذور موهبتي من مدرّس بلجيكي، عملت على دعم وصقل موهبتي وتطويرها من خلال رسم الخيول والحيوانات بشغف كبير خلال تلك المرحلة، واستمر الاهتمام بالرسم بعد عودة الأسرة إلى سورية وبلدة حب نمرة في وادي النصارى، فرسمت أولى لوحاتي بالشمع في سن الثالثة عشرة لـ”مار جرجس”، ولا تزال موجودة في كنيسة “حب نمرة” وعدة أيقونات، كما قمت برسم لوحات جدارية في المدرسة، تمثل حقباً جيولوجية، مجتهداً لتطوير موهبتي وأدواتي عبر الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وتابعت تحصيلي العلمي، ثم الدراسات العليا لأتخصّص بقسم النحت لضرورة الاستفادة من علاقة الكتلة مع الفراغ ومفهوم النحت الغائر والنافر والتجسيم، وهو ما خلق لديّ رؤية جمالية لتكوين المشاهد التي أختارها، فتكتمل شخصيتي الفنية بوجود فنانين معروفين على مستوى الوطن العربي كمدرّسين في الكلية تركوا أثراً مهماً بتكوين الشخصية الفنية للخريجين.
انطباعات راسخة
أول ما يلفت انتباهك بلوحات إميل فرحة المنجزة في فترة الحرب هو الانطباع العميق بتشابه مكوّنات الحزن بشخصيات اللوحة الأنثوية، فعلى الرغم من تعدّد الملامح تطغى حركة الحزن الواثق من إنجاز مهمته الكاملة على مساحة الوجه من انحناء وتتابع وعمق تمنحها صفة الشاهد على الحدث، يسكنها الهدوء السحري، كاستخدام جماليات الحرب في الفن التشكيلي، لا يُظهر من خلاله قوة الحرب نفسها، بل يتعامل معها كفعل يستوجب المقاومة عبر إعادة إنتاج الحياة على الرغم مما قد تتركه تلك المسيرة من آثار وتشظيات في الروح والجسد. وقد تعامل فرحة مع اللوحة باهتمام العاشق المشغول بتأكيد مشاعره على درجات الألوان والسطوح، الوجه الأنثوي علامته الفارقة وأساس لوحته اللاحقة، عن ذلك يقول فرحة: أصبحت لمسة الحزن واضحة عندي كردّة فعل على الظرف المكاني والزماني المحيط، لتعكس وجوه لوحاتي التعبيرية حزناً كامناً من خلال مسحة التأمل فيها. ويضيف فرحة: تتضمن اللوحة أكثر من عنصر أنثوي يعيش كل عنصر حالة انفعالية خاصة به والأنثى حاضرة في أغلب أعمالي لأنها العنصر الملهم لأي فنان، ويغلب اللونان الأزرق والأخضر على لوحاتي نتيجة تأثري وعلاقتي العميقة بالطبيعة التي نشأت ضمن أحضانها وتأملاتي بزرقة السماء اللامتناهية.
ولم تتوقف تجربة فرحة عند الوجوه، بل تناولت العديد من المواضيع كالتراث، فرسم المدن كحمص القديمة، ودمشق القديمة مقدماً الشخصية الفنية الخاصة به عبر مشروعه الجمالي ذي الطابع المعرفي العميق، ضمن أسلوبه كفنان يحمل هاجسه الإبداعي على محمل الجد والجهد.