في شوارعنا “الشحادة” امتهان وتشغيل “كشبكات”.. والعيب في عصا الردع وإخلاء سبيل المتسول دون تأهيل!
دمشق– علي بلال قاسم
لا يخفى على الجميع بمن فيهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل -الجهة المسؤولة حكومياً عن الملف-، وبالمتابعة الميدانية أن أغلب حالات التسول المنتشرة هي حالات ممتهنة للتسول وهناك من يقوم بتشغيلها، ومع أن الأمر يعود للقضاء في تطبيق القوانين الرادعة بحق هؤلاء الأشخاص، وهناك قوانين أخرى تحتاج جهود كل الوزارات المعنية ومنها وزارة التربية بما يخصّ التسرّب المدرسي، إلا أن وجه التقصي والتقفي يظهر أنه ومن خلال متابعة وجود الظاهرة في الشارع تمّ اكتشاف أنها تنخفض عند تنفيذ الحملات أو الشكوى والتبليغ فقط، وتزداد في كل الأوقات حتى في أيام البرد القارس الذي يعطي مكسب الشفقة، ليأتي دور فرق ودوريات “وزارة الشؤون الاجتماعية” عبر متابعة العمل بشكل مكثف لزيادة الحملات، حرصاً على عدم بقاء هذه الحالات في الشارع.
وإذا كان في مقدمة أسباب “الشحادة” الفقر وفقدان المعيل، فإن العمل يتحوّل مع الوقت إلى نوع من الامتهان وسهولة الكسب عن طريق التسول، وعندما تكون الحالات نتيجة عوز اجتماعي أو فقدان المأوى –تقول مصادر الوزارة لـ”البعث”-: نتمكن من تقديم خدمات لها بشكل سريع وبالتنسيق مع المحافظة المعنية حسب الضرورة، أما عندما تكون الحالات امتهاناً للتسول فإن الأمر يناط أكثر بالقضاء وبوزارة العدل.
عمل مشترك
وأمام هذا الواقع لابد من التأكيد على اللجنة التي شكّلتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باسم مكافحة التسول لمتابعة مواضيع التسول للحدّ من ظاهرة التسول ومعالجة آثارها، وفقاً لدور كل جهة من (الداخلية– العدل– التربية– الصحة- الأوقاف- الإعلام- التعليم العالي- الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان) وتخصّصها بما يحقق تكامل الجهود، ولاسيما أن التصدي للظاهرة هو عمل مشترك لا يخصّ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وحدها، ويتمّ التعاون بين مديريات الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات لتسيير الدوريات.
وتفيد تقارير اللجنة أنها وضعت منذ تشكيلها برنامج عمل انطلق من تشخيص الواقع والأسباب التي أدّت لتفاقم الظاهرة نتيجة الظروف الاقتصادية التي أفرزتها الحرب، والمتمثلة بــأهم أسباب انتشار الظاهرة- امتهان التسول، إذ لوحظ ارتفاع نسبة التكسّب من التسول من الأهل بتشغيل أطفالهم نتيجة العوز الاجتماعي- تداخل ظاهرة التسول مع ظاهرة التشرد والانفصال الأسري- البطالة- التفكك العائلي وانعدام الرعاية الأسرية- الطمع والجشع واتخاذ بعض الأفراد التسول مهنةً للكسب غير المشروع- الإصابة ببعض الأمراض العقلية والنفسية.
وتفيد وزارة الشؤون الاجتماعية في سياق كتبها الموجّهة لرئاسة مجلس الوزراء أن أهم الإجراءات التي اتخذتها تتمثل بتفعيل مكاتب مكافحة التسول في المحافظات وفقاً لما حدّده القانون رقم /16/ لعام 1975م، لكون المكاتب أبرز أدوات العمل لتطويق الظاهرة وضبط الحالات، إذ تمّ تفعيل عمل الضابطة العدلية في جميع مكاتب التسول في المحافظات ويتمّ العمل على استكمال متطلبات عمل المكاتب مكانياً ولوجستياً، بما يحقّق فعالية وديمومة عملها، وقد تمّ تفعيل المكاتب في المحافظات الآتية: (حماة- حمص- طرطوس- القنيطرة- درعا- حلب- اللاذقية- السويداء- دير الزور- الحسكة)، وتتابع منح العاملين فيها صفة الضابطة العدلية بعد أدائهم القسم القانوني، وتعمل المكاتب على تسيير الدوريات لضبط الحالات، إضافة إلى العمل على تعزيز قدرة الموارد البشرية العاملة في هذا المجال بما في ذلك تشكيل فرق مشتركة على مستوى كل محافظة تضمّ كوادر عامة ومتطوعين لرصد وتقصي حالات التسول والتشرد ميدانياً بإشراف الوزارة، وكذلك توسيع الطاقة الاستيعابية للمراكز التي تقدّم الخدمات لهذه الشريحة، في ظل المتابعة لإيجاد الدور اللازمة على مستوى المحافظات الأخرى وبتنسيق الجهود مع الجهات الأهلية التي يدخل ضمن أهدافها هذا الهدف، كما تمّ إنجاز نظام إدارة الحالة /وثيقة الرصد والإبلاغ والإحالة/ التي تناولت (9) حالات من بينها التسول والعمل على تدريب القدرات اللازمة لذلك من كوادر الوزارة ومديريات الشــؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات والجمعيات الأهلية والخدمات المقدمة ستنطلق من هذا النظام للتمكن من توسيع قاعدة تكامل الجهد مع المجتمع الأهلي ولكي تكون جودة الخدمة معروفة.
واجهة إلكترونية
والجديد في هذا المضمار إعداد واجهة إلكترونية لتوثيق الحالات ومتابعتها من خلال برامج استهدافية للأسر، بما يعزّز البيئة الأسرية المانعة لتشغيل الأطفال أو النساء في التسول وتوفير الخدمات اللازمة لفاقدي الرعاية الأسرية، وكذلك توفير التمكين اللازم (بما يعزز قدرة المتسولين على الكسب المشروع بدلاً من امتهان التسول).
يأتي ذلك في وقت تمّ توقيع مذكرة تفاهم مع منظمة العمل الدولية عن أسوأ أشكال عمالة الأطفال، إذ يتمّ تجهيز برامج دولية لخدمة الأطفال لإعادة صوابية فعاليتهم في المجتمع، تستكمل إجراءات تعديل التشريعات الناظمة بموضوع التسول، وإدراج بند جديد ضمن الموازنة الاستثمارية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لعام 2019 لمشروع إحداث دور ومكاتب التسوّل والتشرد في بعض المحافظات السورية، إضافة إلى التنسيق مع وزارة العدل لتفريغ قاضٍ خاص للنظر بقضايا المتسولين والمتشردين والتشدّد في تطبيق النصوص القانونية ذات الصلة بموضوع التسوّل بعدم إخلاء سبيل المتسول والمتشرد وإحالته إلى الدار لتقديم الرعاية والخدمات اللازمة له وإعادة تأهيله، لأن إخلاء سبيله يضرّ بمصلحة المتسول أو المتشرد ويتسبّب بعودته إلى الشارع مرة ثانية، مع أهمية تشغيل وحدة حماية الأسرة التابعة للهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان التي تقدّم خدمات ضيافة مؤقتة للنساء والأطفال المعرّضين للعنف.