طريق الحرير معبّد مجدداً بمشاركة سورية.. “الحزام والطريق” يفتح آفاقاً اقتصادية جديدة في إعادة الإعمار..فهل تحضَّرنا لمتطلباتها..؟
البعث الأسبوعية – ريم ربيع
مجدداً، تعود سورية بموقعها الاستراتيجي الهام لتربط أوصال طريق الحرير الجديد بعد توقيع مذكرة تفاهم مع الصين في إطار مبادرة (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين)، وبما ينسجم مع الرؤية التي سبق وطرحها السيد الرئيس بشار الأسد حول التوجه شرقاً.
آفاق جديدة
الانضمام الرسمي لسورية إلى المبادرة يشكّل مرحلة جديدة يستبشر الجميع فيها لفتح آفاق واسعة على المستوى الاقتصادي، لجهة التعاون مع الدول المنظمة للمبادرة، أو تنشيط التبادل التجاري وتبادل الخبرات فيما بينها، حيث بلغ عدد الدول المشاركة 150 دولة إضافة إلى 32 منظمة حتى الآن، لتشكل المبادرة أوسع منبر تعاون دولي في العالم وفق السفير الصيني في سورية فنغ بياو.
تعاون دسم
اليوم..، يركز أهل الاقتصاد على دراسة الأبعاد الاقتصادية للاشتراك في المبادرة، وكيفية استفادة سورية منها لاسيما في ظل الحصار والعقوبات الغربية التي أنهكت مختلف القطاعات والبنى التحتية، حيث يرى خبراء أنه بالتوقيع على المبادرة فقد ضمنت دمشق مشاركة “دسمة” من دول المبادرة وفي مقدمتها الصين في إعادة الإعمار والمشاريع الاستراتيجية، فيما بيّن رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور فادي الخليل في تصريحات صحفية عقب التوقيع على الاتفاقية أنها تعزز تسهيل التبادل التجاري، وإعادة إعمار البنى التحتية، والطاقة الكهربائية والطاقة البديلة، إضافة إلى تبادل السلع والتكنولوجيا، ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد.
تلبية متطلبات
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد أن انعكاسات مبادرة الحزام والطريق تظهر بشكل مباشر من خلال قدره الصين الكبيرة على تلبية جزء هام من متطلبات الاقتصاد العالمي ككل، فما بالنا بسورية، أما الانعكاس الآخر فيأتي من أهمية هذه المبادرة من حيث المشاريع الضخمة للبنية التحتية والاستثمارات، حيث أنها تشمل نحو 60% من إجمالي سكان العالم.
فيما يأتي الانعكاس الأهم ـ والحديث لمحمد – من خلال هدف المبادرة في تعزيز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء فيها، وتحقيق التكامل الاقتصادي والثقافي بينها، والاستثمارات التي ستضخها الصين في الدول المنضمة للمبادرة لإنجاحها، لاسيما في البنية التحتية والطاقة والطرق و المواصلات الخ.. وهنا يشير محمد إلى أن حجم الاستثمارات الصينية الخارجية تجاوزت لنهاية عام 2020 نحو 2000 مليار دولار، حيث كان نصيب المنطقة العربية نحو 240 مليار دولار، ما جعل الصين أكبر شريك اقتصادي للعرب من بين دول العالم.
بقيمة 2 مليار دولار
يعوّل محمد خلال حديثه لـ”البعث الأسبوعية” على توافد الاستثمارات الصينية إلى سورية، الأمر الذي ينشط الصناعة السورية، ولاسيما الاستثمارات في المناطق الحرة، وربما إنشاء مناطق حرة صناعية صينية، فهناك بعض الإحصائيات تتحدث عن استثمارات صينيه بمقدار 2 مليار دولار خلال الآونة الأخيرة، أبرزها التفاهم بين شركه النفط الصينية والشركة السورية للنفط، إضافة إلى بعض المعلومات التي تتحدث عن التوجه إلى إنشاء خط حديدي يربط بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية، وبعض طرق المواصلات الدولية التي تجوب سورية من الشمال إلى الجنوب، والأمر الآخر هو مشاريع توليد الكهرباء، إضافة إلى المشاريع التي تتعلق باكتشاف النفط والغاز وربما تطوير الموانئ.
الانعتاق من العقوبات
وفي ظل الظروف الدولية والحصار والعقوبات، ربما يكون توفير التمويل لإعادة إعمار سورية من الأمور الصعبة ـ وفقاً لمحمد – لاسيما وفق الشروط التي قد تُفرض على الحكومة السورية، وبالتالي تسهم هذه المبادرة في رصد مبالغ نقدية لاستهداف إعادة إعمار بعض القطاعات وترميم قطاعات أخرى، موضحاً أن كلام وزير الخارجية الصيني عند زيارته لسورية في شهر تموز من العام 2021 كان واضحاً لجهة دعوة الصين لإنهاء كافة أشكال العقوبات المفروضة على الشعب السوري، وكانت تلك إحدى النقاط التي حرص الوزير الصيني على ذكرها بشكل تفصيلي، وبناءً عليه فإن الشركات الصينية تدرك جيداً صرامة هذه العقوبات، وتسعى إلى عدم شمول أي استثمار من استثمارات المبادرة بهذه العقوبات، وبنفس الوقت تحاول الدبلوماسية الصينية العمل على إنهاء هذه العقوبات مع المجتمع الدولي.
وحول الفترة التي قد يتطلبها ظهور نتائج المبادرة على أرض الواقع، يوضح محمد أن الاستثمار في البنية التحتية بشكل عام هو استثمار طويل الأجل، وليس للأمد القصير، لاسيما الاستثمار في الطرق والمواصلات والنفط الخ،، فيما قد تتراوح المدة بين 3 إلى 5 سنوات في حال كان الاستثمار بالطاقات المتجددة على سبيل المثال.
أردتادات إيجابية جداً
وفي السياق ذاته استبعدت أيضاً وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي، أن تكون النتائج قريبة، لأن المبادرة بحد ذاتها عبارة عن مشاريع كبيرة، وهناك بحدود 68 دولة منخرطة بهذه المبادرة، أي أنها هي محصلة جهود ضخمة واستراتيجية كبيرة لا يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها، ولكن عودة الثقة إلى الاقتصاد السوري يمثل بارقة أمل، وهذا من شأنه إحداث ارتدادات وانعكاسات اقتصادية إيجابية جداً.
وتشير عاصي إلى أن سورية أطلقت قبل هذه المبادرة استراتيجية ” التوجه شرقا “، وتم تبنيها من قبل المسؤولين في الدولة، ولكنها لم تنعكس على اقتصاد البلد، إلا أن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين,، ستكون مهمة جداً للاستراتيجية ذاتها إذا تم التعامل معها بشكل جدي ومختلف عن الشكل النمطي، وسيكون لها تأثيرات إيجابية على مرحلة ومشاريع إعادة الإعمار.
وتوضح عاصي أن الاستثمارات والشركات الصينية ستعمل حسب المبادرة على مشاريع مختلفة أهمها البنى التحتية وخصوصاً في مجالات النقل، وبناء الموانئ أو توسيعها، وكذلك السدود والجسور وكل ما هو متصل بنقل البضائع ومحطات الطاقة، مبيّنة أن موضوع العقوبات وقانون قيصر سيبقى التهديد الأبرز لكل الجهود المبذولة لتحسين واقع الاقتصاد السوري، ولكن هناك منافذ عدة وطرق مختلفة لتجاوزها، فالشركات الصينية العاملة في إطار هذه المبادرة ستتمكن من التعامل مع هذه العقوبات والتغلب عليها.
ضخ للقطع..
بدوره يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن انضمام سورية للمبادرة سيكون خطوة هامة لتبدأ الصين بمشاريع ضخمة وضخ القطع الأجنبي عبر مشاريع استراتيجية حيوية ستنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي الكلي، معتبراً أن القطاعات الخدمية هي أول المستفيدين كالسكك الحديدية بعد الربط مع العراق وصولاً إلى إيران، والطرقات البرية، والنقل البحري والموانئ، وصولاً إلى البنى التحتية بشكل كامل.
وكان رئيس هيئة تخطيط الدولة قد لفت إلى تقديم مجموعة من المقترحات لربط عدة طرق بحرية وبرية لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة، وإنشاء مناطق تجارية ومحطات توليد كهرباء، مشيراً إلى أن تنفيذ هذه المقترحات يسهم بعملية التنمية الاقتصادية عبر مشاركة الشركات الصينية بمرحلة إعادة الإعمار إلى جانب التغلب على العقوبات القسرية الأحادية الجانب المفروضة على سورية.
دفع العجلة الإنتاجية
وفيما ينطبق الأمر ذاته على الدولة المشاركة بالمشروع وليس فقط الصين، يوضح شهدا أن ضخ القطع الأجنبي سينعكس زيادة في الاستهلاك، ورفع الطلب في الأسواق التي تعتبر حالياً جافة بالسلع، مما سيضغط باتجاه دفع العجلة الإنتاجية، وإعادة دوران عجلة الصناعة، مبيناً أنه سيحدث نموا كبيرا في سوق العمل ورفع الطلب على العمالة، ودفعا لدوران الكتلة النقدية التي ستحقق موارد جيدة للخزينة العامة.
ويوضح شهدا أن العقوبات الغربية لم تشكل يوماً عائقاً بوجه العلاقات السورية الصينية، ولذلك نرى دائماً تحركات نشطة تجاه المؤسسات الحكومية السورية عبر التعاون وتقديم المنح والمساعدات، وقد يعمد الجانب الصيني لإيجاد استراتيجية خاصة تضمن انسياب البضائع والتجارة، وسيتحتم وجود مؤسسات مصرفية خاصة لها في سورية، متوقعاً أن تقوم شركات صينية تعمل بسورية بطرح أسهمها في الأسواق المالية.
ما يترتب على سورية..
وحول دور سورية فيما يمكن تقديمه من تسهيلات، يلفت شهدا إلى أن سورية ستكون مستعدة لإبداء كل المرونة اللازمة في سبيل فائدتها المحققة، كما يرى الخبير د.علي محمد أن الاستثمار الأمثل للمبادرة يكون من خلال تهيئة البيئة الاستثمارية في سورية بما يسهم في توجه كافه الشركات الصينية والدولية للاستثمار، وهذا يتطلب إقرار القوانين الجاذبة للاستثمار من كافه النواحي الضريبية والجمركية وكل محفزات الاستثمار، وربما كان قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 بداية هذه القرارات، والمهم هو توفير هذه البيئة لتشكل قاعدة تحتضن الشركات الصينية في حال قررت الاستثمار في سورية.
“متخصصة”..وحوكمة رشيدة
في السياق ذاته توضح عاصي أنه يمكن استثمار هذه المبادرة والاستفادة منها إذا تمكنا من بناء مؤسسة فعالة ومسؤولة عن مشاريع وأهداف تلك المبادرة على أسس الحوكمة الرشيدة، إضافة إلى تمتعها بالصلاحيات الكافية للقيام بمهامها، ويجب أن تقوم هذه المؤسسة بدور مرجعي وكفؤ لمبادرة الحزام والطريق, بالتعاون مع الجهات الوطنية المستفيدة.
ربط دول العالم
وكانت الصين أطلقت مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 وهي مشروع واسع النطاق يهدف إلى ربط بلدان العالم ببعضها البعض عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تمر بالصين وعدد من الدول الأخرى.
وحققت الصين وسورية تزايداً في حجم التجارة الثنائية السنوية من 170 مليون دولار إلى 2.48 مليار دولار خلال العقد من عام2000 إلى 2010، حيث قامت عشرات الشركات الصينية باستكشاف النفط والغاز، وتنشيط المقاولات الهندسية، والبنى التحتية والخدمات الأخرى في سوريا.