مجلة البعث الأسبوعية

الثقافة والفنون بحلب بين الميدان والإمكان

البعث الأسبوعية-غالية خوجة

الحكمة لا تقتصر على الذكاء فقط، بل أيضاً على إمكانية التأمل والتفاؤل وإيجاد الحلول من خلال القدرات والطاقات الممكنة في ظرف ما، ومكان ما، بعد الانتقاد بشفافية وموضوعية واستحضار التطوير الميداني المناسب للبدء في العمل من أجل مرحلة جديدة تبني على المضيء من المرحلة السابقة والراهنة للبدء في منهجية مستدامة ومتجددة.

ولنكون في تفاصيل الواقع ونصوصه المقروءة الممكنة وخفاياه القابلة للقراءة، رغبت “مجلة البعث الأسبوعية” في الكشف والمكاشفة عن المشهد الثقافي الفني الوطني في حلب من خلال هذه التساؤلات: ترى، ما المتوقع من المشهد الثقافي الفني في حلب عام 2022؟ وما الذي يجب تكريسه واستبعاده؟ ما رؤيتك ومقترحاتك لهذه المرحلة من مرحلة إعادة بناء الإنسان والوطن؟ وكيف للجهات المعنية أن تقدم الأفضل بعيداً عن التنظير وضمن الإمكان والميدان؟ وهل يمكن الفصل بين المشهد الثقافي الفني والوطني؟

لنبحث عن ما يجمعنا

أكد د.فاروق أسليم على الدور الفاعل للجهات المعنية بالثقافة، فوزارة الثقافة تقوم بدور ثقافي رائد وهام جداً إضافة لإصدارها للكتب والمجلات، واتحاد الكتاب العرب استطاع أن يتجاوز نفسه، بينما تتحرك إلى المزيد من دورها الفاعل الجامعات السورية، ومنها جامعات حلب، وكنا نعاني من شبْه قطيعة لأن الكل كان يعمل منفرداً، ببنما نشهد، في هذه المرحلة، التشاركية المنتجة والتشبيكية المتكاملة بين كافة الجهات المعنية بما يتناسب ومنهجية الوطن.

وأضاف: نحتاج أن ننقد أنفسنا ونحترمها، ولنستبعد الاتهام، لأننا معنيون بالخطاب الثقافي الذي يقدمه المثقف لنا، ولنبني مبادراتنا على المحبة والاحترام والمودة، لأننا نبحث عن التجميع والمواءمة من أجل إعادة بناء الإنسان والوطن، فوحدة القلوب والعمل والماضي والحاضر عوامل هامة تبني المستقبل، لنوحد ونهتم بأمور تجعلنا يداً واحدة من أجل الأمل بالعمل، لذا، ابتعدوا عن كل ما يفرق بيننا، لأن هذا التوجه انتهى، وابحثوا عن ما يجمعنا، لأننا لا بد وأن نهتم بأمور تصنع المستقبل الأفضل، يجب علينا أن نبحث عن توجهات أخرى توحدنا وتناقش قضايا وهموم الناس والثقافة لكي نستمر في التطور والتقدم.

التشبيك عمل وطني

واعتبر جابر الساجور مدير الثقافة بحلب أن المشهد الثقافي لوحة فنية متكاملة، ومديرية الثقافة بحلب بمراكزها الثقافية ومعاهدها الفنية ومعاهد الثقافة الشعبية ودوائرها وشركائها في العمل الثقافي بحلب ومنهم اتحاد الكتاب العرب، والجمعيات الثقافية والمنظمات الشعبية والمهنية، والمؤسسات الرسمية والإعلامية والمديريات المعنية، يهتمون بكافة أنواع الفنون من معارض تشكيلية ومعارض كتب، وموسيقى وأدب وإقامة المهرجانات والملتقيات، وتعليم الكبار، والعروض المسرحية، والاهتمام بالتراث المادي واللا مادي، والبرامج التوعوية للأطفال واليافعين والشباب، والمكتبات، ولقد وضعت خطط وبرامج ثقافية متنوعة، والإعداد لمهرجانات وملتقيات هادفة للعام لعام 2022.

وتابع: المطلوب هو التشبيك وتضافر الجهود مع المجتمع الأهلي للوصول لكل جغرافيا المحافظة، وتقديم النوعي والمتميز، وفتح الأبواب لأصحاب المواهب والمبدعين الشباب ليتم تحضير جيل مثقف مؤمن بوطنه ورسالته الحضارية، كما يجب الابتعاد عن النمطية والتكرار بالمشاركين والعناوين والموضوعات، وتحديث الرؤيا البصرية والسمعية لدى المتلقي من خلال رفع السوية الفكرية لما يقدم، ومديرية الثقافة ومراكزها مرافق عامة كفل الدستور لعربي السوري وقوانين الجمهورية العربية السورية حق ارتيادها لكافة مواطنيها، ويعود للأدباء والمثقفين والفنانين اتخاذ ما يرونه مناسباً لطرح الفكر الوطني الملتزم في مواجهة أصحاب الفكر الظلامي، والعمل الثقافي بكل أبعاده وعناصره هو عمل وطني بامتياز لأنه رسالة حضارية ترتكز عل جذور ثقافية ممتدة لآلاف السنين.

التنوير بالفكر المعتدل

اعتقد الكاتب الإعلامي معن الغادري مدير مكتب “البعث” بحلب أن المشهد الثقافي بصورة عامة، تشوبه الكثير من الفجوات والثغرات، وفي غالب الأحيان، هو سطحي في بعضه لأنه يخرج عن الأطر والأسس الفكرية والمجتمعية، وبمعنى أدق، السطحية غالبة إلى حد ما لأن الصورة العامة للمشهد الثقافي الفني لم تحدث أي فارق أو تغيير في السلوك، وبطبيعة الحال، لا يمكننا التعميم، ولكن الحرب الإرهابية، أفرزت أنصاف وأشباه مثقفين، وأنتجت الحرب، أيضاً، مثقفين انتهازيين ومتلونين وحاقدين وناقمين، حاولوا استغلال الحرب لصالح أجندات أجنبية معادية، والمطلوب، إعادة النظر كلياً بالمشهد الثقافي وخلق حالة من الحوار والتفاعل والمحبة والتناغم مع كافة مكونات المجتمع وخاصة الجيل الناشئ الأهم في عملية البناء والارتكاز إلى حضارة وتأريخ هذا البلد، وإيجاد طرق أسهل وأقصر وأكثر نوعية للوصول إلى عقول الجميع وخصوصاً الشباب وتنويرهم بالفكر المعتدل البنّاء.

محكمة التأريخ

ورأت الكاتبة الفنانة المسرحية آديل برشيني أن مهمة الأدب في هذه المرحلة خدمة الحقيقة ومقاومة ورفض الكذب والتعبير عن الحاجات الحقيقية واستشفاف المستقبل في هذه المرحلة التي يمر بها وطننا الحبيب، موقع الأديب هو نفسه موقع الجماهير التي يعايشها ويعايش جرح الوطن، مهمته صعبة جداً، فالظروف القاسية والحصار يجب ألاّ تدفع الأديب إلى التيه عن خط الثبات في وجه من يود الخراب عليه، وأن يبتعد ويفصل بين أدب الشعارات وإبداع مناضل. إن زخم المعركة وهول المؤامرات التي يتعرض لها وطننا والتي تدور فوق أرضنا كلها قد تؤدي بالأديب والفنان إلى تدمير فنه، من هنا، أعتقد أن مهمة الأديب في كل مكان أن يحفظ توازن رأسه، والتوازن في إخلاصه لوطنه وأدبه، ليتوحد الإخلاصان، ويتكاملا، لينتجا أدباً يفيد به وطنه وشعبه على كافة المستويات، وهو مطالب بعدم الهروب إلى جمع الزهور والرقص على ضفاف بحيرات النسيان وعدم ارتجال كتابات هي أقرب إلى المنشورات الإعلامية والإعلانية العابرة.

وأضافت: أتمنى من الطليعة المثقفة أن تعمل كفريق لا أن ينظر كل فرد منها إلى الحقد المصغر والمهاترات، والجميل هو جو المنافسة البريئة على العطاء، لأنه محرض صحي، والجمهور بحاجة إلى نص حقيقي بينما الناقد الحقيقي فهو الزمان الذي لا يمر عبر غرباله مزيف أو انتهازي واحد، لأن كاتباً ما، قد يستطيع خداع جيل بعض الوقت، لكنه لا يستطيع أن يخدع كل الأجيال، لكننا قد لا نكون موجودين وأي من الذين يقرأون هذه السطور الآن، حين تنطق محكمة التأريخ لنسمع رأيها بأعمالنا.

واحد لا يتجزأ

وأبدى الكاتب محمد جمعة حمادة تشاؤمه مما وصل إليه الجو الثقافي نتيجة الحرب الإرهابية، آملاً أن يتحسن مع مرور الوقت، وأكد: الثقافي لا ينفصل عن الوطني، لأن من يهون عليه جزء يهون عليه الكل، ويجب أن يكون المثقف إيجابياً ومتفائلاً، وأن يكون عضوياً يخوض معركته الثقافية الوطنية الحضارية بكل ما أوتي من قوة، ولا نريد سياسة “ماشي الحال”، بل علينا أن نضع النقاط على الحروف، وعلينا أن نميز بين السياسة كسياسة، والثقافة كثقافة، وبرأيي، الثقافي والوطني كلٌّ واحد لا يتجزأ، والمراوحة في المكان ذاته والأفق ذاته لا تفضي إلى أي تقدم.

نتضافر لتحدي الواقع المؤلم

وبدوره، أجاب التشكيلي محسن خانجي صاحب صالة الخانجي للفنون: المشهد الثقافي الفني خجول هذه الفترة نتيجة العديد من الظروف وأهمها الحرب الكونية، ومؤثراتها المختلفة ومنها الناحية الاقتصادية، وأرى أن المسرح يتحرك بمشاركات خجلى، والثقافة، عموماً، تعاني من تراكمية، وهي تحتاج لحركة نوعية ومزيد من التطوير، وكذلك المعارض التشكيلية خجول، لأن اللوحة أصبحت مكلفة، ولا يوجد اقتناء، ولا بد من تطوير الجانب الاقتصادي، والتفكير بحلول مناسبة، من أجل استمرار النهوض بالواقع الثقافي والفني، وهذا محور أساسي، ولإنجازه، علينا أن نتضافر لتحدي هذا الواقع المؤلم، وعلينا أن نعمل أكثر، فمثلاً من الممكن أن يكون هناك مزاد فني واقعي، وآخر افتراضي، تتشارك في إنشائه الجهات المعنية والصالات الفنية الحكومية والخاصة، كما لا يمكن أن يكون هناك فن أو ثقافة دون أن يكون الوطن ممزوجاً بهما، لكننا لا نُدخل الفن والثقافة في السياسة، لأن السياسة للدولة والجهات المختصة، ولكل من المثقف والفنان أن يعبّر عن رأيه الفني والثقافي، لكنني لا أعرض في صالتي فناً سياسياً.

الذاكرة تحتفظ بألقها

وقالت الكاتبة الإعلامية بيانكا ماضية أمين تحرير جريدة الجماهير: الأدب الملتزم هو الذي يعكس قضايا المجتمع والوطن، ولا يحيد عن التمسك بتلك الجمالية التي تجعله ملتزماً، ولاسيما وأن الأدب والأدباء والفن والفنون المختلفة يشكلون معاً قيادة المتلقي ثقافياً نحو مفاهيم تهمهم وتهم الوطن، خصوصاً، إذا كان الوطن يواجه خطراً على وجوده وهويته وحضارته، فلا قيمة لأي أدب غاب عن الوعي، أو غيّب، وشمله غسل العقول، فيما إذا بقيت صفة الأدب ملازمة له، وما إن اندلعت الحرب في سورية حتى ظهرت روايات وقصص لم يكن خطابها وطنياً بقدر ما كان أيديولوجياً لا يمت إلى الواقع بصلة، لأنها لم تكن تنقل آلام الحرب كما هي وبكل صدق، بل كانت فانتازيا دُفع ثمنها لأصحابها الذين رقصواعلى دماء الشهداء، وبعد الانتصارات التي حققها الوطن راح هؤلاء يغيرون مواقفهم ليقينهم بأن حلمهم لن يتحقق، لكن الذاكرة السورية ما زالت تحتفظ بألقها ولم يصبها النسيان، لذلك، نأمل أن تكون مشاريعنا الثقافية والفنية ممنهجة بالوعي التنويري الملتزم وطنياً وتطويرياً وجمالياً لنكمل الانتصار.