“تجليات شهرزاد”.. الواقعية السحرية
خيّمت أجواء ألف ليلة وليلة على قاعة المحاضرات في المركز الثقافي العربي – أبو رمانة، مؤخراً، فعلى وقع موسيقا شهرزاد لريمسكي كورساكوف عُقدت ندوة “تجليات شهرزاد” للقاص عماد الدين إبراهيم الذي حلّت فيه روح شهرزاد في رواية القصص في مجموعته “تجليات شهرزاد” التي تنقل فيها بين الماضي والحاضر والواقع والمتخيّل والمستحيل والممكن، وحاول المشاركون في الندوة: الإعلامية سلوى عباس، الناقد عمر جمعة، الكاتب أيمن الحسن وأدارتها إلهام سلطان الإضاءة على هذه المجموعة بتجليات إبراهيم فيها، والذي بيَّن في تصريح لـ “البعث” أن “تجليات شهرزاد” هي المجموعة الثانية له بعد “تداعيات الذاكرة المطرية” التي صدرت عام 2018 وكان قبل ذلك قد أصدر في العام 2004 مجموعته الشعرية “المتوحد راعي الرياح” وكانت الأولى والأخيرة له في الشعر حتى الآن، لأن التطاول على الشعر برأيه بات مباحاً لكل من هبّ ودبّ، إضافةً إلى تأكيده أنه لم يعد يشعر أنه قادر على إضافة أي شيء جديد عن الديوان الأول، وهو الذي تحول إلى كتابة القصة قائلاً إن السرد ما زال محافظاً على هيبته الأدبية، وأنه وجد نفسه في القصة أكثر من الشعر لأنها تتلاءم مع حالته النفسية والذهنية، وهو لا يدري إن كان الشعر قد تسلّل إلى قصصه، إلا أنه يحرص كثيراً عندما يكتب النثر على أن يبتعد عن اللغة الإنشائية والشعرية الغالبة في النثر لقناعته أنه لا مكان للّغة الشعرية في القصة والرواية، لذلك أسعده كثيراً قول د. عاطف البطرس في قراءته النقدية لنثره: “يكتب الشعر ولا يجعل من اللغة الشعرية تتطاول وتتمدّد على أسلوبه النثري”. وأشار إبراهيم إلى أن قصص “تجليات شهرزاد” كُتِبَت بين العام 2019 بياء المتكلم وكان هذا الأسلوب مأخذ الكثيرين عليه مع أنه أسلوب اتبعه كتّاب كثر في كتاباتهم، منوهاً كذلك بأن الحرب تسلّلت بشكلٍ غير مباشر إلى قصتَي “الكرسي” و”الممتعض” لكنها كانت مجرد خلفية للأحداث لأنه يبتعد كثيراً عن تناول الحرب بشكل مباشر في كتاباته، ولم ينفِ إبراهيم تمازج الواقع والخيال في بعض القصص: “لم أعد أميّز بين ما شعرتُ به وما تخيلته”. وعن أسلوب كتابته للقصة أوضح أن الفكرة لديه قد تختمر خلال أيام أو أسابيع، وحين تصبح ناضجة يكتبها دفعة واحدة ثم يخضعها للقراءة عشرات المرات فيعمل على غربلتها من الاستطالات المجانية التي يمكن الاستغناء عنها ليكون في النهاية بين يدي القارئ نص لا يمكن حذف مفردة واحدة منه بعد أن يكون قد مرّ بعدة عمليات من البسترة واستئصال المفردات الزائدة، مؤكداً أنه ناقد قاسٍ على نفسه لأنه يعرف مَواطن الضعف والقوة فيما يكتبه.
وختم عماد الدين إبراهيم تصريحه بالإشارة إلى أن “تجليات شهرزاد” تُرجِمَت إلى اللغة الفارسية وستصدر قريباً.
خطوة مديدة
وتوقف عمر جمعة في مشاركته عند لغة إبراهيم في المجموعة المتحرّرة من الاستطراد والاسترسال والتي بنى فيها الكاتب حكاياته، مؤكداً أن إبراهيم خطّ سطوره بوعي الأديب العارف بتقنيات القص ولوازم نجاحه والمدرك تماماً أن اللغة بمفرداتها تعدُّ عصب فن التعبير وفضاءه الأرحب، وأن توظيفها توظيفاً صحيحاً دلالة على النضج الفني والإيمان بقدرتها على توصيف وإيصال المشاعر والأحاسيس دون أن تطغى هذه اللغة على ما دونها من تقنيات أخرى. وأوضح جمعة أن الوقوف عند لغة القص في المجموعة مردّه الثروة اللغوية المترفة التي يمتلكها الكاتب والتي شكّلت حاملاً جمالياً حرّضت ذهن المتلقي على التقاط بعض الحالات المدهشة التي أجاد التعبير عنها، مؤكداً أن “تجليات شهرزاد” إضافة مهمّة إلى المكتبة القصصية في سورية وعلامة دالة على مدى تطورها واستشرافها أسباب البقاء والتأثير والنجاح وهي خطوة مديدة وواسعة في مسيرة الأديب عماد الدين إبراهيم.
الواقعية السحرية
ورأت سلوى عباس أن المجموعة تأخذنا إلى عالم الواقعية السحرية حيث الواقع يتاخم الخيال، وقد عبّر الكاتب في مجموعته وبنسيج قصصي سلس وممتع عن هواجس وأفكار من بيئته التي يعيش فيها، وقدّم فيها عبر ذاكرته الحيّة وخياله النشط حالات إنسانية تنشد الحياة بكل خياراتها وانفعالاتها، متخذاً فيها إبراهيم أسلوباً مختلفاً يؤكد التمايز في رؤيته لفن القصّ، مما يوحي برأيها بالهاجس الذي تدور في فلكه قصص المجموعة، وقد أتت شخصياتها نابضة بالحياة وتعبّر عن هواجسها وأحلامها بكل صدق وعفوية، فاستطاع الكاتب أن يجعل القارئ يعيش قصصاً وحكايات تعكس بصورة تهكمية عنف الواقع وخشونته، وقد نسجها إبراهيم من خلال الإيحاء والتكثيف والتركيز والوصف والقدرة على تسلسل الأحداث وترابطها، مبينة أن حضور صوت الكاتب الذي يروي تجارب أشخاص مختلفين بنوازعهم وأفكارهم مع مخاطبته الصورة التخيلية لذاته جعل مجموعة “تجليات شهرزاد” تتسم بالواقعية الوصفية، حيث إن الكاتب في مزاوجته بين الواقع والخيال في معالجة موضوعات قصصه يلتقط صوراً من الواقع الذي نعيشه ليضعها بين يدي القارئ بغية تأملها وتحديد موقفه منها، فنبدو ونحن نتصفح قصص المجموعة وكأننا نشاهد فيلماً قصيراً في غاية الإبداع، فأديبنا برأي عباس استطاع إيصال الرسالة للمتلقي من خلال نصوص قصصية تعتمد على التكثيف والفنية وجمالية اللغة وبلاغتها، وقد كان دقيقاً في استخدام تقنيات السرد، حيث حافظت القصة برأيها رغم بنائها القصير على النمط التقليدي، إذ يحتفي بالحكاية وبسردها بشكل متوازٍ من البداية إلى النهاية.
حكايات خاصة
وتناول الكاتب أيمن الحسن قصص المجموعة التي تحمل حكايات متنوعة وحوادث مؤلمة تكاد لا تُصَدَّق ولكنها مُعاصرة تدخل في حيّز السيرة الذاتية للقاص بنسب متفاوتة، ولاسيما أن ضمير المتكلم هو السائد في المجموعة مع بقاء الحبل مشدوداً إلى حكايات شهرزاد وتجلياتها، مبيناً أن بعض القصص تحمل مؤشرات على ثقافة الكاتب الواسعة حيث تجذّرت المعارف الثقافيّة لقصص المجموعة المُقنِعة في حضورها مما جعل الإمتاع الذي تحدث عنه في الحكايات يكتمل بالمعرفة، مشيراً إلى أن الكاتب مارس إمتاعاً لنفسه وإمتاعاً لقارئه عبر سرده الذي يكشف فيه بضمير المتكلم عن تجربته الذاتية إيماناً منه بقيمة القصة التي يلتقي فيها ما هو واقعي مع ما هو مُتَخيّل، إذ تشتمل المجموعة على السيرة الحياتية والأحلام وأدب الرحلات وتوثيق المواقع الأثرية المهمّة عبر العالم، إلى جانب تفصيلات واقعية عاشها الكاتب خلال حياته اليومية وأسفاره والتي قدّمها عبر سرد ممتع نظمها باقتدار بروح السارد الكبيرة وهو يستمع إلى سيمفونية شهرزاد لكورساكوف.
أمينة عباس