توجد أحداث اسمها “جرائم اجتماعية”
أكرم شريم
*حين كنتُ أدرس في المدرسة الابتدائية كان معنا في الصف تلميذ ذكي ومجتهد ومهذب كثيراً، وكنّا كلنا نعرف ذلك ونعرف أيضاً أنه “أشطر” واحد في الصف، بل وفي المدرسة كلها، وكنّا نستغرب كم هو مجتهد وإلى أبعد الحدود، وتفاجأنا – وقد تفاجأتُ بذلك أكثر من غيري لأنني صديقه – بأنه قد ترك المدرسة، وذهبت أسأله فطردني والده، وعرفت وقتها أن والده هو الذي سحبه من المدرسة لكي يعمل معه في محله التجاري، وأخيراً تركت هذا الصديق العزيز المجتهد والمهذب والمحترم وتركني مدى الحياة!.. أفليس ذلك جريمة اجتماعية، وفي الوقت نفسه لا يعاقب عليها القانون؟.
*وفي الدفاع عن الحب أذكر هذه الحكاية. فقد كانت فتاة صبية تحب شاباً ويحبها هو من كلّ قلبه وعقله ومشاعره وكل أعضاء وأجزاء جسمه ومنها وخاصة حواسه الخمس، ومن لا يعرف الحب لا يعرف ما نقول. وفجأة، وحيث ذهب هذا الشاب إلى والدها وتحدث معه بأنه يطلب يدها وسيرسل أمه لذلك، سأله أبوها، ماذا تعمل؟ ما هو عملك؟ فقال أنا كاتب وراتبي (000)، وحين سمع الأب ذلك، قام بطرده فوراً، وبصوت مرتفع وغاضب، وتفاجأ الشاب وخرج مستغرباً مندهشاً، واحتله الخوف عليها وعلى حبه لها، وصار يسأل عنها باستمرار ولا يستطيع مقابلتها، وعرف بعد ذلك أن أباها هذا الأب المجرم، أراد أن يزوجها لرجل غنيّ ومهما كان عمره، ومهما كان هو أيضاً لأن المهمّ عنده هو المال، المال، المال وليس غير المال أي شيء آخر!، وهذا ما حدث فعلاً، لأن المبلغ أكبر بكثير له ولابنته، أفليس هذا مثل البيع، بيعاً لابنته؟! خاصة وأن ما فعله الأب هو خارج رغبة ابنته، بل هو حكم عليها وأبدي بأن تعيش مع إنسان لا تعرفه ولا تحبه، وحبها الكبير والقويّ لا يزال في قلبها ومشاعرها بل وفي كل أجزاء عقلها وقلبها ومشاعرها؟!
وهكذا عاشت هذه الإنسانة مع رجل لا تعرفه ولا تحبه وتفعل له كل ما يريد وبدون مشاعر أو إحساس، وفي الوقت نفسه، تعيش مع حبها وحبيبها وتتابع أخباره وهو لم ولن يتزوج طوال حياته لأن الأمر بيده، فهو شاب، وهي ابنة والأمر ليس في يدها، ولو كان الأمر في يدها، لما حدث كل هذا الذي حدث، وجعلها تعيش في غيبوبة إنسانية مدى الحياة، أفليست هذه أيضاً جريمة، جريمة اجتماعية ولا يعاقب عليها القانون، ومتى سيصبح القانون قادراً على المعاقبة على هذه الجرائم الاجتماعية، والأخلاقية والدينية أيضاً؟! وقتها فقط يمكن أن نقول: توجد عدالة اجتماعية.