الرئيس الصيني يدعو الغرب إلى التخلي عن عقلية الحرب الباردة
أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ عالم يمر اليوم بتغيرات كبرى لم يشهدها منذ مائة سنة، ولا تقتصر هذه التغيرات على حدث أو توقيت أو دولة أو منطقة معينة، بل هي تغيرات عميقة وعظيمة وواسعة النطاق في هذا العصر، مبيناً أن دخل العالم إلى مرحلة جديدة من الاضطرابات والتحولات غير المسبوقة في ظل تشابك تغيرات العصر وجائحة القرن. كيف نهزم الجائحة؟ وكيف نبني العالم في الفترة ما بعد الجائحة؟ حيث يعد هذان السؤالان من القضايا الهامة التي تهم شعوب العالم برمتها، إضافة الى أنهما من المواضيع الهامة والملحة التي لا بد لنا من إيجاد أجوبة لها.
وفي كلمة له في الجلسة الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022، قال “إن البلاد إن لم تزدهر تنحط، وإن الحوكمة إن لم تتقدم تتراجع”. يتطور العالم دائما في حركات متناقضة، ولا يوجد العالم بدون تناقض. عندما نستعرض التاريخ، نجد أن البشرية دائما تنمو من خلال الصمود أمام الاختبارات المتتالية تتطور من خلال التغلب على الأزمات المتكررة. علينا أن نتقدم وفقا لمنطق تقدم التاريخ ونتطور في تيار تطور العصر.
وأضاف ستمضي البشرية قدما إلى الأمام مهما كانت شدة الرياح والأمطار. علينا أن نتقن التفكير من خلال التحليل المقارن للدورات التاريخية طويلة المدى من ناحية، وأن تكون لدينا رؤية نافذة في التغيرات من خلال فحص المؤشرات الدقيقة من ناحية أخرى، ونهيئ فرصا في ظل الأزمات، ونفتح آفاقا جديدة في ظل التغيرات، بما يحشد قوة للتغلب على صعوبات وتحديات.
مبيناً أن الطريق الصحيح الوحيد لهزيمة الجائحة هو تعزيز الثقة والتحلي بروح الفريق الواحد. إن كل التصرفات من تبادل العرقلة وإلقاء اللوم غير المبرر على الآخرين ستؤدي الى ضياع فرصة الانتصار وتخرب الوضع العام. فيجب على دول العالم تعزيز التعاون العالمي في مكافحة الجائحة والعمل على التعاون في مجال بحث وتطوير الأدوية وبذل جهود مشتركة لبناء خط الدفاع متعدد المستويات لمكافحة الجائحة وتسريع وتيرة بناء مجتمع مشترك تتوفر فيه الصحة للبشرية. وفي وجه الخصوص علينا أن نستخدم اللقاح كسلاح قوي ونضمن العدالة في توزيعه ونسرع في عملية التلقيح ونردم “فجوة المناعة” في العالم، بغية صيانة سلامة الشعوب وصحتهم وضمان معيشتهم بصورة جيدة.
مؤكداً أن الصين صادقة لأقوالها وحازمة في أفعالها. وقد قدمت الصين أكثر من ملياري جرعة من اللقاح إلى أكثر من 120 دولة ومنظمة دولية. وستقدم الصين دفعة إضافية من اللقاح بقدر مليار جرعة إلى الدول الإفريقية، بما فيها 600 مليون جرعة كمنحة، كما ستقدم الصين 150 مليون جرعة إلى دول آسيان كمنحة.
مشدداً أنه مهما كانت الصعوبات، ينبغي علينا التمسك بمفهوم التنمية الذي يضع الشعب فوق كل الاعتبارات، ووضع هدف تعزيز التنمية وضمان معيشة الشعب في مكانة بارزة للسياسات الكلية العالمية، إضافة إلى تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة. والدفع بالتعاون الدولي لمواجهة تغير المناخ في إطار التنمية، وتنفيذ توصيات الدورة الـ26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP26). ويجب على الاقتصادات المتقدمة تحمل مسؤولياتها في خفض الانبعاثات قبل الآخرين، والوفاء بتعهداتها بشأن الدعم التمويلي والتقني، بما يهيئ ظروفا لازمة للدول النامية في مواجهة تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة.
وأكد الرئيس الصيني أن الأهم هو نبذ عقلية الحرب الباردة وتحقيق التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك. حيث لا يزال عالم اليوم بعيدا عن السلام والاستقرار، وتتردد على مسامع الناس التصريحات المحرّضة على الكراهية والتحيز، وما ترتب على ذلك من التصرفات مثل الاحتواء والقمع وحتى المواجهة لا يؤدي إلا إلى الإضرار بالسلم والأمن العالميين. قد أثبت التاريخ مرارا وتكرارا أن المواجهة ليست مفيدة، وبالعكس، ستجلب عواقب كارثية. إن السياسات الحمائية والأحادية لا تحمي من ينتهجها، بل وستلحق أضرارا به وبالآخرين في نهاية المطاف. أما الذين يمارسون الهيمنة والتنمر، فهم يعاكسون تيار التاريخ. من الطبيعي أن تكون هناك تناقضات وخلافات بين الدول، غير أن اللعبة الصفرية التي يكون فيها الغالب والمغلوب لا تنفع في إيجاد حل. إن الإصرار على بناء “الفناء الصغير مع الجدار العالي” و”نظامين متوازيين”، والإدمان على تكوين “الدائرة الصغيرة” و”المجموعة الصغيرة” الحصرية لتقسيم العالم، وتعميم مفهوم الأمن القومي وقمع التطور العلمي والتكنولوجي للدول الأخرى، والتحريض على المجابهة الأيديولوجية وتسييس القضايا الاقتصادية والتكنولوجية واستغلالها كأسلحة، سيضعف بشكل خطير جهود المجتمع الدولي لمواجهة التحديات المشتركة. إن التنمية السلمية والتعاون والكسب المشترك تمثل طريقا مستقيما في العالم. وينبغي أن تتطور الدول والحضارات بشكل مشترك على أساس الاحترام المتبادل، وتحقق التعاون والكسب المشترك من خلال السعي إلى قواسم مشتركة مع ترك خلافات جانبا.
ينبغي علينا التماشي مع تيار التاريخ والعمل على صيانة الاستقرار للنظام الدولي وتكريس القيم المشتركة للبشرية والدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. ومن المطلوب الالتزام بالحوار والشمولية بدلا من المجابهة والإقصاء، ورفض الأحادية والحمائية والهيمنة وسياسة القوة بأي شكل من الأشكال.
وأضاف الرئيس الصيني صادف العام الماضي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. إن الحزب الشيوعي الصيني وحّد الشعب الصيني وقاده في نضال شاق وطويل الأمد وأحرز إنجازات مرموقة عالميا في بناء الدولة وتنميتها وتحسين معيشة شعبها، وحقق هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في الموعد المحدد، وحقق انتصارا في معركة مكافحة الفقر في الموعد المحدد، وحقق نجاحا تاريخيا في التخلص من الفقر المدقع، وهو الآن يسير على مسيرة جديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل.
وختم بالقول أن الصين ستواصل توسيع الانفتاح العالي المستوى على الخارج، وزيادة الانفتاح المؤسسي في مجالات القواعد والإدارة والمعايير وغيرها بخطوات متزنة، وتطبيق المعاملة الوطنية للشركات الأجنبية، ودعم التنمية العالية الجودة للتعاون في بناء “الحزام والطريق”. قد دخل اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حيز التنفيذ بشكل رسمي اعتبارا من يوم 1 كانون الثاني الجاري، ستفي الصين بالتزاماتها بأمانة وتقوم بتعميق الروابط الاقتصادية والتجارية مع الأطراف الأخرى في الاتفاق. وستواصل الصين المضي قدما بعملية الانضمام إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ واتفاق شراكة الاقتصاد الرقمي، بغية الاندماج في الاقتصادين الإقليمي والعالمي على نحو أعمق، والعمل على تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك.