انضمام سورية إلى مبادرة الحزام والطريق….. تحدٍ جديد لما يسمى “قانون قيصر” الأمريكي
“البعث الأسبوعية” سمر سامي السمارة
في إشارة لتعزيز العلاقات الصينية السورية، انضمت سورية في 12 من الشهر الحالي إلى مبادرة الحزام والطريق، وهي الإستراتيجية الصينية الطموحة لتطوير البنية التحتية التي تمتد من شرق آسيا إلى أوروبا.
ويرى المحللون المهتمون بالشأن السوري أن تطور العلاقات الصينية السورية كان متوقعاً، فبعد اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين من كلا البلدين في الأشهر السابقة، ناقش الرئيس الأسد مع نظيره في بكين شي جين بينغ في تشرين الثاني عام 2021 مسألة حصول سورية على عضوية في مبادرة الحزام والطريق.
وبذلك من المرجح أن تساعد هذه الخطوة سورية على فتح آفاق واسعة من التعاون وتعميق العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى الشريكة في مبادرة الحزام والطريق، وتمكنها من تلافي آثار العقوبات الأمريكية القاسية على البلاد.
الاقتصاد والنظر إلى المستقبل
كانت أجندة مبادرة الحزام والطريق الصينية إحدى النقاط الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، إذ تمثل سورية ممراً إلى البحر الأبيض المتوسط يتجاوز قناة السويس ويعيد إحياء طرق التجارة القديمة التي تربط الصين بالقارتين الأفريقية والأوروبية. وقد يؤدي دمج ساحل طرطوس والعاصمة دمشق في مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز مكانة بكين الاقتصادية في بلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن بكين، التي لم تستفد من الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسورية، لتعزيز مبادرة الحزام والطريق بسبب الحرب، ركزت القيادة الصينية بعناية على النظر إلى المستقبل.
الآن، في الحقبة التي تلت الحرب على سورية، مع حاجة سورية إلى مشاريع ضخمة لإعادة الإعمار والبنية التحتية، تم تفعيل مبادرة الحزام والطريق الصينية.
الروابط القديمة والفرص الحديثة
بصفتها دولة عضو في مبادرة الحزام والطريق، سوف تتطلع سورية لمزيد من الاندماج الاقتصادي في غرب آسيا، حيث تنظر الحكومة السورية إلى الصين كمستثمر رئيسي وشريك لإعادة بناء البلد الذي عانى سنوات الحرب القاسية.
والأهم من ذلك، تمكنت الصين خلال هذه الفترة من تعزيز نواياها الحسنة بين السوريين، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى، إلى مبادرات بكين الجريئة لإحباط التدخل العسكري الغربي المباشر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى.
لذا يمكن الافتراض أن الصين- على الأقل في نهاية المطاف- ستكون قادرة على زيادة شعبيتها بين السوريين للاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة بعد الحرب على سورية.
وفي حفل قبول سورية خلال توقيع مذكرة تفاهم في هيئة التخطيط والتعاون الدولي في دمشق الشهر الحالي، أشار فادي خليل، رئيس لجنة التخطيط والتعاون الدولي السورية إلى الأدوار التاريخية لحلب وتدمر في طريق الحرير القديم، وتحدث عن التوقعات المتعلقة بالعلاقات الصينية السورية المستقبلية في إطار تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف.
وقع خليل مع السفير الصيني في سورية فنغ بياو، مذكرة تفاهم تتعلق بقبول سورية في هذه المبادرة الصينية، التي انضمت إليها دول الشرق الأوسط الأخرى.
وتبرز التطورات الأخيرة الأخرى المدى الذي تعمل من خلاله سورية والصين على تعميق العلاقات بينهما، إذ قامت بكين في بداية هذا العام، بإرسال أكثر من مليون جرعة لقاح كوفيد- 19 لسورية.
عقبات جفرافية
بالنسبة لبكين، من المهم أن ينشئ العراق ممراً طويل الأجل لمبادرة الحزام والطريق إلى كل من سورية والأردن، ففي حين أن الاتفاق حول طريق مبادرة الحزام والطريق بين إيران وسورية – الذي يعبر العراق – لم يتم مع بغداد بعد، وسيكون من المبرر لدى الصينيين وجود العديد من المخاوف المحقة بشأن المخاطر الأمنية لممارسة الأعمال التجارية في سورية والعراق.
تدرك الصين أن العراق تتصدر قائمة الوجهات الاستثمارية عالية المخاطر في هذا المشروع الضخم، ومن الواضح، يمكن قول الشيء نفسه عن بعض المناطق في سورية حيث يواصل تنظيم “داعش” والعصابات الإرهابية المسلحة الأخرى القيام بالعمليات الإرهابية لا سيما على الحدود مع العراق وتركيا.
على الرغم من أن الشركات الصينية تميل إلى قبول مستويات أعلى من المخاطر الأمنية مقارنة بالشركات الغربية، فإن تأمين مبادرة الحزام والطريق في الجوار المضطرب لن يكون مهمة سهلة لبكين وشركائها التجاريين في غرب آسيا.
وسيكون الممر الاقتصادي الأكثر استقراراً وأماناً لمبادرة الحزام والطريق إلى أوروبا عبر شمال إيران – وهو الطريق المؤمن فعلياً – ثم يمتد مباشرة من إيران إلى تركيا. ومع ذلك، فإن الحالة المتدهورة التي تسببت بها تركيا في علاقتها مع سورية بسبب تدخلاتها المباشرة في الأزمة، ونظرة الصين إلى تركيا كشريك غير مستقر في مبادرة الحزام والطريق، وضغوط حلف شمال الأطلسي على أنقرة للابتعاد عن بكين وطهران، تساهم جميعها في التحديات العملية التي لن يكون من السهل تغلب ممولي مبادرة الحزام والطريق عليها بشكل سريع.
لكن الاتفاقية الصينية السورية مؤخراً، تظهر أن الصين تمضي قدماً في إطار استراتيجتها المتعلقة بغرب آسيا، على الرغم من هذه العقبات.
قانون قيصر وإعادة الإعمار
في 17 تموز 2020، بدأت الولايات المتحدة تنفيذ أكثر العقوبات شمولاً التي فرضتها واشنطن على سورية والتي تعُرف باسم “قانون قيصر”.
تواصل إدارة بايدن، استهداف سورية بعقوبات فرُضت في عهد ترامب والتي من خلالها يتم ملاحقة كيانات أو أفراداً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جهات فاعلة خارجية ممن يقومون بأعمال تجارية مع الهيئات التي تسيطر عليها الحكومة في الاقتصاد السوري مثل الغاز والنفط والبناء والهندسة والمصارف.
عندما زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي دمشق في تموز 2021، التقى الرئيس الأسد وشخصيات أخرى رفيعة المستوى في الحكومة السورية. كانت تلك الزيارة التي قام بها كبير الدبلوماسيين في بكين مؤشراً مبكراً على جدية الصين في تعزيز العلاقات مع سورية، على الرغم من استمرار واشنطن في فرض عقوبات واسعة النطاق على سورية.
خلال زيارته لسورية، أكد وانغ معارضة حكومته الشديدة لأجندة “تغيير النظام” المدعومة من الخارج والتي تستهدف الحكومة الشرعية في سورية. لذا استمرت بكين في موقفها المؤيد لدعم سيادة سورية كدولة قومية مستقلة.
طوال 11 عاماً من الحرب على سورية، حافظت الصين على عدة معتقدات أساسية حول الصراع، تتمثل في حاجة الشعب السوري إلى التوصل إلى حل سياسي، وضرورة الانتقال من الحل العسكري إلى الحل السياسي في سورية، واعتبار المصالحة والوحدة من الأولويات على مستوى البلد، وضرورة التزام المجتمع الدولي بتقديم المساعدة إلى سورية.
على الرغم من إطلاق مبادرة الحزام والطريق وتمويلها بشكل كبير من قبل الصينيين، إلا أنها في نهاية المطاف مشروع متعدد الجنسيات يضم عشرات البلدان، والعديد منها متحالف مع الولايات المتحدة، ومرتبط بسورية عبر التاريخ والدين والثقافة والاقتصاد في الماضي والحاضر.
من غير المرجح أن يتوقف مشروع بهذا المستوى العالمي بسبب حكم محلي للحكومة الأمريكية بشأن التجارة تم صياغته على بعد آلاف الأميال من النشاط.
محاربة الإرهاب في سورية والصين
ثمة قضية أخرى جديرة بالإهتمام، دفعت بجدول الأعمال المشترك بين بكين ودمشق في السنوات الأخيرة إلى الأمام، وهي “حملة التهدئة الصينية ” في شينغيانغ. أدانت الحكومة السورية الجهود الغربية لاستخدام “حالة” الأويغور لغرض خلق فجوة بين الصين والدول ذات الأغلبية المسلمة. كما دافعت سورية، مثل معظم، عن بكين في مواجهة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى التي تزعم أن السلطات الصينية مذنبة بارتكاب “إبادة جماعية” في شينغيانغ، حيث يقيم حوالي 12 مليون من الأويغور .
وإدراكاً لحقيقة أن الإرهابيين الأويغور جاءوا من شينغيانغ إلى سورية للقتال في صفوف تنظيم “داعش” وغيرها من الجماعات المتطرفة العنيفة، فإن دمشق وبكين ترى أن قضية مشتركة تربط بينهما وهي في الكفاح ضد الإرهاب والتطرف.
في عام 2017، قال السفير السوري في بكين إنه تم نقل 5000 إرهابي تقريباً من شينغيانغ، معظمهم عبر تركيا، إلى سورية خلال سنوات الحرب. وأعربت السلطات الصينية عن مخاوف جدية من عودة المتطرفين الذين تم تلقينهم عقائدياً وزرع أفكار متطرفة، إلى الصين للقيام بالعمليات الإرهابية.
لذا ترفض بكين ادعاءات الدول الغربية حول الحكومة السورية، بل أن الحكومة الصينية تؤكد أن الحكومة السورية تستحق الثناء لدفاعها عن شعبها ووحدة أراضيها. فعندما كان وانغ في سورية الصيف الماضي، قال إنه “علينا احترام دور الحكومة السورية الرائد في محاربة الإرهاب على أراضيها وكل ما يحض على الكراهية والعنف، ويجب معارضة مخططات إثارة الانقسامات العرقية بحجة مكافحة الإرهاب، مضيفاً أنه يجب احترام تضحيات سورية ومساهمتها في مكافحة الإرهاب، ويجب الاعتراف بالجهود الكبيرة لمحاربة الإرهاب “.
مستقبل العلاقات الصينية السورية
يجري حالياً في الولايات المتحدة دعم قوي من كلا الحزبين في الكنف السياسي لواشنطن، من أجل اتخاذ تدابير مشددة للعقوبات الأمريكية في عهد ترامب على دمشق. وبحسب محلليين فقد تعرضت إدارة بايدن هذا العام لضغوط من الحزبين لتكثيف إنفاذ حكومة الولايات المتحدة لـ “قانون قيصر”.
وبحسب المراقبين، نظراً للإستقطاب والعداء الحاليين في الجغرافيا السياسية لغرب آسيا، من الصعب تخيل أن ترفع واشنطن” قانون قيصر” في المستقبل المنظور، ما يعني أنه في النهاية، هذا يعني أن الولايات المتحدة ستستمر على الأرجح في استهداف الاقتصاد السوري بفرض عقوبات خانقة.
ضمن هذا السياق ، لدى دمشق كل الأسباب في العالم لاتباع استراتيجيات يمكن أن تساعدها في تقليل الضرر الذي تسببه الحرب المالية لواشنطن.
قال الدكتور جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، في مقابلة أجراها العام الماضي “يمكن للصين أن تلعب دوراً مهماً في إضعاف تأثير عقوبات قيصر”.
وأوضح لانديس: “في إيران، فعلت الصين ذلك، بدأت صادرات النفط الإيرانية، التي دمرتها العقوبات، في النمو مرة أخرى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الصين تشتري النفط الإيراني مرة أخرى. الصين هي ورشة العالم، لذا يمكنها توفير معظم البضائع التي تحتاجها سورية، كما أن الصين قوية بما يكفي لتجاهل العقوبات الأمريكية. نظراً لأن الولايات المتحدة تمنع الشركات الأمريكية بشكل متزايد من التعامل مع الشركات الصينية، فإن لدى الصين حافز أكبر لمعاقبة الولايات المتحدة من خلال كسر العقوبات المفروضة على دول مثل إيران وسورية “.
الآن بعد أن انضمت سورية إلى مبادرة الحزام والطريق، من الآمن أن نستنتج أن الصينيين سيلعبون دوراً متزايد الأهمية فيما يتعلق باستراتيجيات سورية لتحمل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة. وهناك احتمالات كبيرة، مع مرور الوقت، أن تتوسع القيمة الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية للصين وسورية لبعضهما البعض.