تاريخ فرنسا الاستعماري يسرده الصحفي آلان غريش
إعداد: هيفاء علي
أشار الصحفي الفرنسي آلان غريش، مدير موقع “أوريان 21″، والمحرّر السابق في صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”، إلى أن صعود اليمين المتطرف في فرنسا له علاقة بتاريخ فرنسا الاستعماري الذي لم ينتهِ بعد، وذلك في معرض حوار مطوّل معه تحدث فيه عن دور فرنسا في المنطقة وفي الشرق الأوسط، والتوجهات الاستبدادية المتنامية لدى عدة أنظمة ديمقراطية في الغرب وأمريكا الشمالية. كما تطرق الحوار إلى العلاقات الفرنسية- الصينية، في وقت يوجّه فيه العالم أنظاره نحو صعود الصين المتنامي وترسيخ مكانتها على الساحة الدولية.
في البداية تحدث غريش عن أوروبا وسياستها الخارجية، لافتاً إلى أنه لا يوجد سياسة خارجية أوروبية موحدة، لأن ذلك يتطلّب الحصول على إجماع 27 دولة، وهذا الأمر شبه مستحيل. أما بالنسبة لسياسة فرنسا الخارجية، فقد كانت في الآونة الأخيرة تتمحور حول الحرب ضد الإرهاب، وبعدما فشل “الربيع العربي” في معظم الدول العربية، كانت الفكرة هي العودة إلى السياسة العادية للحكومة الفرنسية التي كانت متبعة قبل عشرين عاماً على الأقل، والعودة إلى أن الاستقرار مهمّ للمنطقة العربية. مضيفاً أن الاستقرار كان مهماً لمكافحة الإرهاب ولمكافحة الهجرة، ومنذ هذه اللحظة صارت العلاقات الثنائية لفرنسا مع الدول الأخرى لا تأخذ بعين الاعتبار مسألة حقوق الإنسان، وزيارة ماكرون الأخيرة لدول الخليج أكبر دليل على ذلك، حيث جاء ماكرون لإتمام صفقة بيع الأسلحة لها والتي تستخدم في العدوان على اليمن. ومن جهة أخرى، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، هناك مسألة مهمة جداً هي مكافحة الهجرة حيث غدت موضوعاً محورياً للسياسة الفرنسية.
وفي ردّه على سؤال آخر حول الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وقدرة فرنسا على ملء الفراغ، أشار غريش إلى أن الشرق الأوسط سيبقى مهماً لأمريكا التي لديها 50 ألف جندي فيه، وقوات المارينز، والقواعد العسكرية في منطقة الخليج، فما الذي سيتوقف؟. على الأقل في العقد الحالي، لا تفكر الولايات المتحدة في أي حرب على الأرض في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك لا يوجد تحالفات كما كان الأمر مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، فالمسألة اليوم مختلفة، وبعد الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق، فإن معظم الدول الأوروبية وليس فقط أمريكا باتت غير مستعدة لإرسال جنودها والتورّط بحروب وصراعات في الشرق الأوسط، وبالتالي، هم يناورون، أي لديهم مجال للتحرك في هذه المنطقة وهذا المجال هو بيع الأسلحة.
وعليه، “لا يوجد احتمالات لتغيير الأمور سياسياً، ولا أرى فرنسا تلعب دوراً في هذا المجال، وهي ليست فاعلة ولا تمتلك خطة حول الشرق الأوسط”.
وفيما يتعلق بالشأن الداخلي الفرنسي، لفت غريش إلى أن فرنسا، وأوروبا بالعموم، تشهد في الآونة الأخيرة عودة قوية لليمين، حيث ساعدت الانتخابات في ألمانيا الديمقراطيين الاجتماعيين في الحكومة على تهميش اليمين المتطرف، وحدث الأمر نفسه في إيطاليا والنرويج. لكن في فرنسا الحركة أكبر من أي بلد أوروبي آخر، وللمرة الأولى يوجد مرشحان فاشيان للانتخابات الرئاسية، سوف يحصلان معاً على 25 أو 35% من الأصوات. ويكمن الخطر الأكبر في الأفكار التي يطورها أشخاص مثل مارين لوبان، وايريك زمور المعروف بتطرفه الشديد. وأكد أن الأفكار اليمينية اخترقت كل المعسكرات السياسية، واليمين بشكل تام، فهناك الآن مرشح يميني للانتخابات الرئاسية، وهذا الأمر يبعث على القلق، لأن فكرة اليمين المتطرف أصبحت تدريجياً مركزية بعدما كانت مهمّشة، بمعنى أن المهاجرين حلّوا محل الشعب الفرنسي. ورأى أنه منذ 30 عاماً كان هذا الكلام فاشياً، بمعنى أن بعض المجموعات الفاشية قبلت الفكرة، ولكن اليوم معظم الأحزاب السياسية تطرحه وليس الجناح اليميني فقط، حتى الأحزاب الاشتراكية تطرحها بطريقة ما. وبالتالي، إذا لم يحظَ اليمين المتطرف بالفوز في الانتخابات الرئاسية، ولا أظن أنه سيفوز، فسوف يكون لهذا الأمر عواقب، لذلك السؤال المهمّ هو، لماذا يبدو هذا التوجه قوياً جداً في فرنسا بالمقارنة مع إيطاليا وبريطانيا والنمسا؟. ويجيب، أعتقد أن لهذا الأمر علاقة بتاريخ فرنسا الاستعماري، هذا التاريخ الذي لم ينتهِ بعد، ولاتزال فرنسا قوة استعمارية ولم تنجح في التخلص من هذا التاريخ، وقد رأينا الاستفتاء في كاليدونيا الجديدة، وفي جزر المارتينيك، وفي غوادالوب، فما هي أثمان هذا التاريخ الاستعماري، خاصة في الحرب الجزائرية؟. بعد 60 عاماً من نهاية الحرب، لا يزال هذا الموضوع حساساً في فرنسا، ولسنا قادرين على فتح نقاش صريح مع التاريخ الفرنسي حول الاستعمار.
وحول مسألة العلاقات الفرنسية- الصينية، أشار آلان غريش إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغطاً كبيراً على أوروبا لجعل الصين “عدوها الأول”، لكن أوروبا متحفظة ولا تريد دخول حرب باردة مع الصين. ولدى فرنسا علاقات اقتصادية مع الصين ومع ذلك هناك ضغط أمريكي قوي عليها، والأمر نفسه ينسحب على روسيا حيث يوجد في فرنسا إعلام معادٍ لروسيا وهو قويّ جداً، كما أن هناك في الإعلام الفرنسي والأوروبي عموماً، ترسيخاً قوياً لفكرة أن الصين تشكل خطراً علينا ويجب محاربتها. ولكن نحن نريد علاقات جيدة مع الصين ولا نريد أن نعدّ العدة للحرب معها ولا مع روسيا.