هل تتجرّأ أوروبا على حوار مستقل مع روسيا؟
تقرير إخباري
في الوقت الذي تصرّ فيه الولايات المتحدة على سَوق الاتحاد الأوروبي خلفها كالقطيع، لإجبار دوله على استعداء روسيا والمشاركة بشكل قويّ في عقوبات تنوي واشنطن فرضها على موسكو في إطار صراع مفترض قائم بين الطرفين على استقطاب أوروبا إليه اقتصادياً وربطها بمشاريع معه، وذلك طبعاً من خلال تضخيم فكرة غزو روسي محتمل للأراضي الأوكرانية، تحاول بعض الدول الأوروبية الإيحاء بنوع من الاستقلال في قراراتها عن الراعي الأمريكي، حيث بدأت بعض الأصوات الأوروبية تتعالى في الحديث عن ضرورة إقامة حوار مباشر بين بروكسل وموسكو حول قضايا الأمن والتسلّح، طبعاً دون التجرّؤ على إعلان تجاوز واشنطن في هذا الشأن.
وفي هذا السياق دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وضع نظام جديد لأمن أوروبا بالتنسيق مع “ناتو وروسيا”.
ورغم أن ماكرون لم يذكر التنسيق مع الولايات المتحدة صراحة، إلا أنه عدّدها ضمن حلفائه في حلف شمال الأطلسي بقوله: “في الأسابيع القليلة القادمة يتعيّن علينا إتمام المقترحات الأوروبية بشأن وضع نظام جديد للأمن والاستقرار. يجب إعدادها بين الأوروبيين وتبادلها مع حلفائنا ضمن ناتو، ثم طرحها للتفاوض مع روسيا”.
ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن هذا النظام الأمني الجديد في أوروبا يجب أن يشمل “إعادة التسلح الاستراتيجي” و”التفاوض الصريح والصارم مع روسيا”، ولكنّه أصرّ من جانب آخر على تضمين حق أوكرانيا وغيرها من الدول في المشاركة بمنظمات وتحالفات وبناء هيكلها الأمني بطريقة خاصة بها، وذلك رغم اعترافه بضرورة الحوار والتنسيق مع روسيا لضمان أمن القارة العجوز، وهذا بالمحصلة ينسف مطالب روسيا لـ”ناتو” بعدم التوسّع شرقاً حسب التفاهمات السابقة معها.
وأشار ماكرون إلى أنه تقدّم مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل قبل أشهر بمبادرة العودة إلى الحوار الجاد مع روسيا، غير أن الزملاء الأوروبيين لم يدعموها، مبدياً أسفه بهذا الشأن.
وحذر ماكرون من أن النزاع في جنوب شرقي أوكرانيا لا يزال يشكّل بؤرة توتر رئيسة في أوروبا، متعهّداً بأن فرنسا بالتعاون مع ألمانيا ستواصل ضمن إطار رباعية النورماندي البحث عن حل سياسيّ لتسويته.
من جهته مفوّض الاتحاد الأوروبي السامي للسياسة الخارجية والأمنية، جوزيب بوريل، قال: إن دعوة ماكرون إلى حوار منفصل بين بروكسل وموسكو تتوافق مع موقف التكتل، مشدّداً على ضرورة أن يكون للاتحاد الأوروبي مقعد حول طاولة المفاوضات مع روسيا في قضايا الأمن الأوروبي، ولكنه استدرك بأن ماكرون لم يقل أيّ شيء عن وجود رغبة لديه في عدم تنسيق هذه العملية مع الولايات المتحدة.
المبادرة الفرنسية التي نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” أنها “أثارت انزعاجاً لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي وصدمتهم”، يبدو أنها أيضاً، رغم عدم تجاوزها الصريح للتنسيق مع واشنطن، أثارت حفيظة واشنطن التي تسير في اتجاه قطع جميع حبال الودّ بين موسكو وبروكسل، وبالتالي رهن القرار الأوروبي نهائياً للإرادة الأمريكية في هذا الشأن.
فهل تفلح بالفعل كل من باريس وبرلين في قيادة موقف مستقل عن واشنطن فيما يخصّ الحوار مع موسكو حول الأمن الأوروبي وقضايا التسلّح يجنّبها صداماً مباشراً معها، وخاصة بعد تعالي الأصوات في الدول الأوروبية المنضمّة مؤخراً إلى الاتحاد بضرورة عدم الانصياع إلى رغبة الولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا تكون مقدّمة لحرب باردة جديدة الطرف الخاسر الوحيد فيها هو أوروبا.
طلال ياسر الزعبي