في زحمة الأقوال عن دورها.. ماذا أعددنا من برامج ومشاريع لتمكين المرأة وانصافها؟
بعد ما عانيناه من أضرار ودمار على مدار السنوات العجاف الماضية، يفرض علينا الوقت الحالي تكثيف كل الجهود للنهوض بالمجتمع، وتعافيه، وتقدمه بشكل سريع داعم لعمليات البناء والإعمار، وهذا يتطلب استثمار كافة القدرات لدى الأسر، وفئة الشباب، والتركيز على المرأة التي تشكل نصف المجتمع، وإيجاد أفراد سليمين اجتماعياً لنجاح هذا الاستثمار لنصل إلى بر آمان التنمية الشاملة.
دعم نفسي ومادي
مديرة جمعية “إنسان” للدعم النفسي الاجتماعي للشباب، الأخصائية النفسية نسرين عباس ركزت على أولوية الاستقرار الأسري، والنفسي للأفراد ليكونوا قادرين على العيش بطريقة سليمة وضمن أسر قوية ومتينة، بحيث تكون جميع الأسر خلايا إيجابية تدعم نهوض المجتمع، ولتحقيق تلك الغاية تعمل الجمعية التي نشطت بعد حوالي سنتين من بداية الحرب في ريف دمشق على تقديم الخدمات النفسية والاجتماعية للأفراد، وخاصة الذين تعرضوا لاضطرابات صادمة نتيجة ظروف الحرب عبر فريق مختص وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، كما تعمل الجمعية على تقديم الدعم المادي والخدمات بصورة تحقق التكامل بين الدعم النفسي الاجتماعي والمادي، وتطوير قدرات الأسر للتعامل مع كافة المتطلبات والصعوبات في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجارية في المجتمع.
أنشطة ومبادرات
وبينت عباس أن الجمعية منذ تأسيسها قامت بالعديد من الأنشطة والمبادرات لمساعدة الأفراد على التعافي، والعودة إلى الحالة الطبيعية بعد معايشتهم لأحداث مؤذية كالعائلات المهجرة، والفقيرة، والأيتام، والنساء المعيلات، والجرحى، والمصابين، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الفئات المحتاجة للرعاية، موضحة أن عمل الجمعية بأنه جماعي مجتمعي وليس مع أفراد، ويتم عبر العديد من الأنشطة التي تنفذها فرق الجمعية، وتحاول الجمعية تنمية كافة المؤهلات والخبرة لدى كادرها المختص، ووضعها في خدمة العديد من المناطق شديدة الفقر في محافظة ريف دمشق، كما تطمح الجمعية لتخديم خدماتها بشكل أوسع من خلال إقامة مشاريع تلبي احتياجات عدد كبير من الأفراد.
تمكين المرأة الريفية
لا شك أن تمكين المرأة من المتطلبات الأساسية لزيادة إدماجها في عمليات التنمية، عبر تخليصها من التبعية في كافة المجالات من خلال اعتمادها على ثقافتها، وخبراتها، وعملها، وتحويلها إلى قوة قادرة على التغيير نحو الأفضل، وخاصة في المجتمعات الريفية، فهي تعد مفتاح للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، ورغم الاعتماد على المرأة في كثير من الأعمال وخاصة الزراعية في مجتمعنا إلا أن المساواة ما زالت غير محققة بين المرأة والرجل.
وتعتبر المهندسة الزراعية روعة سلامة الباحثة في مركز البحوث الزراعية في اللاذقية، أن تمكين المرأة الريفية هو من أساسيات تقدم وبناء هذا المجتمع، وأبدت أسفها من زيادة نسبة بطالة المرأة إلى ضعفي نسبة بطالة الرجل خلال السنوات العشر الماضية، وبحسب إحصاءات العام 2019 في سورية بلغت مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي حوالي 12-13%، ومع ذلك فإن نسبة مساهمة المرأة في العمل الزراعي تصل إلى 70 % لكن هذه المشاركة لا يتم توثيقها رسمياً كونها نشاطات أسرية، كما ارتفعت نسبة التمويل والإقراض للمرأة لإنشاء مشروعات صغيرة بنسبة 40%، وبلغ عدد النساء العاملات حوالي 20% من القوة العاملة السورية.
وأشارت سلامة إلى أن مفهوم تمكين المرأة الريفية يقصد به تمكين المرأة سواء كانت ربة منزل، أو عاملة بنشاطات زراعية، أو أية نشاطات إنتاجية أخرى في المساهمة بتحقيق التنمية الريفية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال مشاركتها باتخاذ القرار سواء في العملية الإنتاجية، أو التحكم بالدخل، ومدى وجود أوقات فراغ أو رفاهية لها إلى جانب أوقات العمل، ومدى مشاركتها في كافة المؤسسات الحكومية والتنموية.
دراسة هامة
وأشارت الباحثة “سلامة” إلى دراسة أجرتها مؤخراً لتقييم مساهمة المشروعات الصغيرة في تمكين المرأة الريفية، اعتمدت فيها قرية حيالين في سهل الغاب كنموذج مرجعي، حيث تم دراسة عينة عشوائية من بين أسرها البالغ مجموعها 703 أسرة ريفية، تضمنت 68 امرأة نصفهم ممن يمتلكن مشروعات صغيرة، وتمثل أسرهم 25% من طبقة الأسر التي تدير مشروعات صغيرة في القرية، والنصف الآخر لا يمتلكن أي مشروع، وانطلقت الدراسة من فرضية قلة الاهتمام بالمرأة، وقلة مستواها التعليمي، ووعيها، وخبرتها في المناطق الريفية نظراً للتأثر الاجتماعي بالعادات والتقاليد، وبينت الدراسة أنه بالرغم من ذلك زادت مؤخراً الاعتمادية على المرأة في الأعمال الزراعية إضافة لأعمالها المعتادة بسبب توجه العمالة الذكورية لقطاعات أخرى بعيداً عن الزراعة، وزيادة الضغوط الاقتصادية عموماً، وترى الباحثة أن هذا أسهم في رسم دور جديد للمرأة الريفية يتناسب مع مساهمتها الاقتصادية والاجتماعية، كما بينت الدراسة الأثر المعنوي الهام إضافة للأثر الاقتصادي للمشروعات الصغيرة على المرأة بالاعتماد على مصادر أساسية للدراسة من خلال المقابلات المباشرة وملء الاستبيانات، ومصادر ثانوية من خلال الاعتماد على مديريتي الزراعة في منطقة مصياف، ومحافظة حماة، وعدد من المراجع والإحصائيات.
أثر المشاريع الصغيرة
وبينت الباحثة أن المشروعات الصغيرة وبحسب نتائج الدراسة ساهمت في زيادة التمكين الاقتصادي ورفع نسبته من 42,6 إلى 50,4، وزيادة كافة المؤشرات الفرعية له كزيادة وصول المرأة للقروض بنسبة 5.4%، وزيادة نسبة تملك المرأة للأصول من 8,9%، ورفع نسبة مساهمة المرأة في الدخل الأسري إلى 12,4%، وزيادة تخطيط المرأة للمشروعات بنسبة 11,9%، وقد تم تبني مؤشر الدخل في الدراسة حيث بلغ متوسط الدخل للأسر التي ليس لديها مشاريع من 40-150 ألف ليرة شهرياً، بينما بلغ الدخل الشهري للأسر التي تمتلك مشاريع من 50-300 ألف ليرة، وقد شكلت هذه المشاريع حوالي 60% من دخل تلك الأسر، أما التأثير الاجتماعي للتمكين فقد اقتصر على خمسة مؤشرات فرعية كارتفاع نسبة التثقيف المالي للنساء الريفيات بنسبة 6,2%، واستقلالية الأسرة بنسبة 3,2%، ونسبة مساهمة المرأة بالقرارات المتعلقة بالإنتاج بنسبة 6,8%، ونسبة مساهمتها في قرارات التعليم بنسبة 7,8%، ونسبة مساهمتها في قرارات الإنفاق والدخل بنسبة 6,9%، وبحسب الدراسة فقد أدت المشاريع الصغيرة لزيادة تمكين المرأة الريفية بنسبة 4،4%، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أغلب المشروعات موضوع الدراسة كانت جديدة وفي مراحلها ولم تصل للمدى المتوسط على الأقل.
تمكينها عبر التشريعات
وأوضحت “سلامة” رغم انضمام سورية إلى العديد من الاتفاقيات وآخرها اتفاقية سيداو لمنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لكنها بذات الوقت تحفظت على مجموعة من البنود، وبالتالي لم تضمن الاتفاقية المساواة الكاملة، ورغم أن الدستور قد كفل للمرأة حقوقاً متساوية تماماً مع الرجل، نجد أنه تم خرق هذه القواعد في العديد من القوانين، فقانون العمل يحدد للمرأة أعمالاً معينة، وقانون الأحوال الشخصية حرم المرأة من الشهادة في بعض الأمور، وأبقى النفقة للمطلقة غير متناسبة مع الواقع المعيشي الحالي، ومنعها من حق الوصاية على أموال أولادها في حال وجود الأب والجد، وحرمها قانون الجنسية من منح حق الجنسية لطفلها من زوج أجنبي، من جهة ثانية بينت سلامة وجود العديد من النقاط الإيجابية حيث تم إنشاء أقسام خاصة في العديد من الوزارات تعنى بتمكين المرأة، مثل مشروع الوحدة السكانية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومديرية القرى الصحية في وزارة الصحة، ووحدة التنمية الريفية في وزارة الزراعة، ومديرية الإعلام التنموي في وزارة الإعلام، إضافة للعديد من الجمعيات والمراكز التي تهتم بوضع المرأة وتسعى لتمكينها.
ورغم كل شيء تبقى العبرة في التنفيذ على أرض الواقع، وذلك من خلال جعل المرأة شريكاً حقيقياً للرجل في بناء المجتمع طالما هي تمثل نصفه!.
بشار محي الدين المحمد