جئنا لنتعلم منكم
غالية خوجة
الحقيقة الوطنية واضحة كما شمسها ومطرها الذي بلل أرواحنا المزدهرة مع أرواح الشهداء، والمتفتّحة مثل آمال جرحى الوطن والأحلام الصابرة لكل مواطن.
هذا ما يلمحه القارئ لملامح اللحظة العابرة إلى مدينة حلب القديمة وكنائسها وجامعتها بينما كنا مع الوفد الفرنسي الزائر الذي لن أنسى الكثير مما قاله أعضاؤه، ومنها عنوان مقالتي: “جئنا لنتعلم منكم”.
كنا نتبادل الآراء، وكانت أفكار كثيرة تشعل رأسي منها “أن تصل إلى الحقيقة متأخراً خير من أن لا تصلها أو لا تصلك أبداً”، خصوصاً، بعدما رأى أعضاء الوفد بأمّ أعينهم الواقع الذي تركه الإرهابيون والحرب التدميرية على سورية، لكن دهشتهم كانت أكبر عندما شاهدوا التحدي والصمود والانتصار من خلال جولتهم بين عدة محافظات بدأت واختتمت بدمشق عبوراً بحلب واللاذقية ودرعا والسويداء.
وتأتي أهمية هذه الحوارات بيننا والمثقفين حول العالم ليكتشف الآخرون الحقيقة التأريخية الواضحة من خلال الواقع الحي، وليكتشفوا وضوحها من خلال الوعي العميق للمتحاورين السوريين مع الآخر، والذين عبّروا عنها بكرم حفاوتهم وطيبتهم وأسئلتهم، ومنها: ماذا فعل العالم من أجل سورية في حين أن الجامعات السورية استمرت أثناء الحرب والقذائف في تدريس لغات العالم؟ هل تعلمون أن رجلاً سورياً مسيحياً استشهد في الجامع الأموي بحلب، وأن 4 مسلمين استشهدوا في الكنيسة الإنجيلية في حلب؟ لماذا على الشعب السوري وحده أن يدفع الثمن؟ هل تعلمون لماذا سورية انتصرت، لأن الله مع قيادتها وشهدائها وشعبها، لأن التأريخ يعلمنا أن الله مع الحق والمظلومين.
كان الفرنسيون يبتسمون في الشهباء، ورذاذها يمجد أرواح الشهداء منشداً “حماة الديار عليكم سلام”، ويرافقنا إلى “كنيسة الأربعين شهيد” للأرمن الأرثوذكس التي رحبت بهم، بعد زيارتهم للمدينة القديمة وقلعتها وأسواقها وإعادة بنائها بعد الحرب الإرهابية، وكيف أصبحت تشرق من جديد، وتثبت للعالم كيف انتصرت بقيادتها الوطنية الحكيمة وجيشها الأبي وشعبها الأسطوري لأنه الفينيق الذي يحيا دائماً ليظل الوطن منتصراً إلى الأبد.
هذا ما استنتجه الوفد الفرنسي بعد زيارته لحلب ومقابلته لشخصيات رسمية ودينية وثقافية وإعلامية وفنية وأطياف مجتمعية متنوعة، أذهلت بوحدتها هذا الوفد الذي أكد على ممارسة التضليل تجاه سورية في كل شيء لا سيما التضليل الإعلامي الذي كان سلاحاً متكاملاً مع الأسلحة الأخرى العسكرية والإرهابية والاقتصادية والالكترونية والنفسية والاجتماعية والتفكيكية والتهجيرية وغيرها من أجل تزوير الحقائق، ورغم كل ذلك انتصرت سورية، وأثبتت أن العالمية تبدأ من محليتها الواقعية لا من خلال ترجمة أعمال كتّابها إلى لغات أخرى.
لماذا؟ لأن الواقع الذي عاشه هذا الوفد وسيعيشه أمثاله لا يمكن لأحد تزويره، لأن الحقيقة اليومية الواقعية لا تكذب ولا تنافق، بل هي واضحة بصفاء بلّوريّ، وهذا ما دفع أحد أعضاء الوفد ليقول:”جئنا لنفهم ونتعلم هذه الحقيقة منكم، لنطبقها على شعبنا الفرنسي لنكون مثلكم أحراراً”.
وهذا بحدّ ذاته يعلمهم الحرية أيضاً، ويعلمهم كيف تبني الحرية الوطن من خلال العمل والأمل والإنجاز الذي تشهده حلب في مرحلة إعادة الإعمار ودحر الاستعمار الذي ساهمت فيه أكثر من 100 دولة بالمال والعتاد والأسلحة والظلم والتضليل والتزييف والتدمير على كافة الأصعدة، لأنها، ببساطة، لن تستطيع تدمير الأمل والإرادة على الصمود ومواصلة الإصرار والعمل.