مريانا حداد: نريد فرصتنا.. ونعرف كيف دخل طلّاب إلى المعهد!
كانت تسير باتّجاه طريقها الذي رسمته، وإلى دراستها في كلية التّجارة والاقتصاد، عندما ناداها ذاك الصوت من إحدى حارات باب توما حيث تقطن، وقادها فضولها، وربّما براءة الأطفال المختبئة في قلبها إلى ذاك البيت لمعرفة ما يحصل هناك. تقول مريانا حداد: كنّا نسكن في باب توما، ومن المعروف أنّ البيوت هناك “عربية” وتشهد كلّ يوم تقريباً أكثر من موقع تصوير “لوكيشن”، وفي أحد الأيّام كان هناك تصوير “فيديو كليب” لأغنية للفنان رضا، ودخلت لأتفرّج. كان المخرج صفوان نعمو وتعرّفت على ابن عمّه زهير، وكنت حينها في العشرين من عمري.. كان “الكليب” يتضمّن مشهداً حوارياً وتواصل معي ليكون صوتي “فويس اوفر” وقال لي إنّهم بحاجة لتسجيل جملتين وقمت بذلك، وسألني إن كنت أحبّ الاشتغال في المسرح أم لا، فأجبته بـ “نعم”.. وفعلاً اشتغلت معه عرضاً للأطفال اسمه “ماوكلي” وأدّيت دور “عبير” حارسة الغابة، وبين عامي 2003 و2004 درنا بالعرض على كلّ المدارس، وبعدها انتهى العام الدّراسي وذهب كلّ في طريقه ونسيت فكرة التّمثيل وصرت أدرس وأشتغل في مجال آخر.
يمضي الوقت وتلعب المصادفة دورها السّحري مرّة أخرى، موقظة الشّغف المستريح لزمن، تقول حداد: في عام 2013 – بالمصادفة – كنت في محل لأحد أقربائي في باب توما أيضاً، وكان أسرة عمل “كوبتشينو” للمخرج رشاد كوكش تصوّر هناك، والتقيت بمدير الإنتاج، وقلت له بين المزح والجدّ أريد أن أمثّل معكم، ووافق وأعطاني مشهدين، وطلب منّي أن أكون في اليوم التّالي في موعد محدّد ومعي الثّياب المناسبة للدّور. وفي اليوم التّالي، وقبل المشهد بربع ساعة، قلت لهم: لا أريد التّصوير، وتردّدت وخجلت فهدّدني بالاستعانة بممثلة أخرى، فصّورت وصاروا يصفّقون لي، وسألني مدير التّصوير عن الأعمال السّابقة التي شاركت بها لأنّه أُعجب بأدائي.. حينها عرفت أنّ هذا ما أرغب فيه، ومن يومها صرت أشارك بأيّ عملٍ مسرحيّ، ومنذ عام 2013 إلى عام 2016 لم أشارك بأي عملٍ، إلى أن أعلنت مديرية المسارح والموسيقا عن ورشة إعداد ممثل للمخرج عروة العربي، وقدّمت، ونجحت، وبعدها شاركت في ورشة تصنيع دمى طاولة لـ هنادة الصّباغ، واشتغلت عرضاً مسرحياً جميلاً اسمه “حياة”، ومن ثمّ شاركت بورشة إعداد مسرحي للدّكتور محمد قارصلي في عام 2017 واشتغلنا عرضاً اسمه “ألبوم”، ولأنّ الدّكتور محمد أحبّ عملي وموهبتي قدّم لي عرض مونودراما “خيبانة”.. كنت خائفةً فشجّعني، وقال لي إنّه معي في كلّ خطوة، وإنّ العرض سينجح، وسأحصل على جائزة أفضل ممثّلة.. وللأسف، قدّمنا العرض في عام 2019، وتوفّي الدّكتور بعده بشهورٍ قليلة.. لكن ما وعدني به تحقّق، فقد حصل العرض على جائزتين: الأولى أفضل ممثلة، والثّانية أفضل عرضٍ مركز ثان، في مهرجان بلد الصّمود الدّولي العراقي – أونلاين- في عام 2020.
عروض مسرحية كثيرة تلقّتها حدّاد بعد تلك الورشات، وصار لها اسمها بين المسرحيين، وجمهورها الذي يسأل عنها، ولم تتوقّف موهبتها هنا بل قادتها إلى عوالم التّلفزيون والسّينما، فمنذ عام 2016 وحتّى اليوم شاركت بأكثر من مسلسل تلفزيوني إضافةً إلى برنامج كوميدي “سياسي ع مقاسي”. تقول: شهرة التّلفزيون أوسع والجميع يسأل: لماذا لا أشتغل في الدّراما؟ وجوابي دائماً: أنا أعمل بمتعة وشغف في المكان الذي أحبّ، كما أنّي لا أبحث عن شهرةٍ إن أردتها بإمكاني تحقيقها عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، فكلّ إنسان قادر على أن يحقق هذه الشّهرة سواء بشكلٍ سلبي أم إيجابي.
وأمّا في السّينما، فأدّت حدّاد دور البطولة في الفيلم القصير “يم” للمخرجتين التوءم الحسناء والخنساء عدرا، ضمن مشروع دعم سينما الشّباب، وهو فيلم يتناول حياة فتاةٍ واكتشافها أنوثتها وذاتها والتّعامل مع نضجها منذ صغرها وحتّى زواجها، وكان لها مشاركتها في الفيلم الطّويل “العودة” للمخرج محمد نصر الله، حيث أدّت دور فتاةٍ جامعيةٍ، وعلى الرّغم من استمتاعها بالعمل السّينمائي إلّا أنّ الحبّ للشّغف الأوّل، تقول حدّاد: العمل في السّينما أجمل من العمل في التّلفزيون، لكن متعتي في المسرح فهو سمائي وفضائي الأوسع.
وكما كلّ مجال، هناك أجيال عدّة، وهناك أكاديميون وغير أكاديميين، وهناك من يؤمن بمواهب الشّباب ويمسك بيدهم، وهناك من يثبط من عزيمتهم من باب السّيطرة والأستذة لا أكثر. توضّح حدّاد: في البداية، تعامل معنا المسرحيون كمواهب، وربّما البعض لم يكن يرانا أبداً لأنّنا لسنا من خريجي المعهد، وفي نظرهم نحتاج للكثير.. هذه النّظرة استمرّت حتّى قدّمت مونودراما “خيبانة” حيث اعترفوا بي كفنانة موهوبة، وعندما حصلت على الجائزة صاروا يقدروني، ولم يعد بإمكانهم إنكار الحقيقة، مضيفةً: خريجو المعهد يقولون إنّ لهم الأفضلية، ونحن نعرف كيف دخل الكثير منهم إلى المعهد، لا نريد أن نأخذ فرصهم ولكن نريد أن نأخذ فرصتنا أيضاً، ففي سورية غالبية الممثلين الكبار كانوا غير أكاديميين.
تتمتع حدّاد بروح رهيفة وقريبة من القلب، وهذا ما ساعدها في تدريب الأطفال على الأداء المسرحي في مشروع “بكرا النا”، وهي اليوم تدرّس في إحدى المدارس الخاصّة مادّة المسرح للأطفال كأيّ مادة أخرى، توضّح حدّاد: هناك ممثلون كثر من دون عمل، لماذا لا نستفيد من تجاربهم ونوزّعهم على المدارس ونكلّفهم بتدريس مادّة المسرح؟ من المهم جداً أن تنتشر هذه الثّقافة في كلّ المدارس فهي تنمّي شخصية الطّفل وتوسّع مداركه.
نجوى صليبه