الهولوكوست.. تغطية على جرائم “إسرائيل” في فلسطين
د. معن منيف سليمان
تحاول “إسرائيل” توظيف واستغلال ذكرى ما يُسمّى “المحرقة اليهودية” (الهولوكوست)، للتغطية على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وإخفاء الوجه الحقيقي لها بصفتها تحتلّ أرض شعب آخر وتستوطن فيها، وتمارس أبشع أشكال الجرائم بحق الشعب الفلسطيني التي ترتقي لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، تبتزّ “إسرائيل” العالم بـ”الهولوكوست”، وتعدّه حدثاً فريداً لا يمكن مقارنته بأية جريمة أخرى في التاريخ، واتخذت من متحف “الهولوكوست” معلماً ومعرضاً ووجهة لكل من يزور فلسطين المحتلة من السياسيين والفنانين والرياضيين المتعاطفين أو غير المتعاطفين معها، حتى يتمّ استذكار المحرقة التي يقال إنها نُفّذت بحق اليهود في أوروبا.
ومن المثير للدهشة والاستغراب أن القتلى اليهود في أوروبا عدّوا قتلى “إسرائيل” التي لم تكن قد أنشئت بعد على الأرض المغتصبة، فلسطين، بعد، كما أن من قتل اليهود وزجّهم في معسكرات الاعتقال والتعذيب ليس العرب، وتحديداً ليسوا الفلسطينيين، بل هم الأوروبيون الذين كانوا قبل ذلك قد أطلقوا وعدهم المشؤوم “وعد بلفور” بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين!.
إن العدوان الوحشي الذي تقوم به “إسرائيل” ضدّ الفلسطينيين أكبر من محرقة وأفظع من جريمة، وقد استخدم مصطلح “محرقة” ضدّ الفلسطينيين من قبل على لسان نائب وزير الحرب الإسرائيلي، ماتان فيلنائي، الذي وعد الفلسطينيين بمحرقة، ما يثبت أننا نواجه نازيين جدداً في فلسطين المحتلة. وهذه المحرقة التي وعدت بها “إسرائيل” تتواصل فصولها في الضفة وقطاع غزة على شكل حرب إبادة بكل التفاصيل والصور في فلسطين. والشهداء والجرحى الذين يتساقطون بالعشرات يومياً هم الشهود على هذا الفصل الجديد من جريمة العصر، التي ترتكب بأسلحة أمريكية، وتحت نظر الأمريكيين.
لقد أظهرت محرقة فلسطين أن الولايات المتحدة، بمنحها المشروعية السياسية للجرائم الإسرائيلية، من خلال إعاقتها لصدور قرار إدانة من مجلس الأمن لـ”إسرائيل”، لا يمكن أن تكون “راعياً للسلام”، ولن تقوم بممارسة أية ضغوط على “إسرائيل” لإجبارها على إعادة الحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني على الأقل، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء هذا الصراع التاريخي المزمن بين العرب و”إسرائيل”.
هذه المحرقة التي تُرتكبُ على أرض فلسطين تنفذها “إسرائيل” بتواطؤ أمريكي- أوروبي من أجل تركيع الشعب الفلسطيني وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يفترض إلغاء الهوية العربية للمنطقة، ووأد القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد، وتكريس الوجود السرطاني الإسرائيلي كأمر واقع ومسيطر.
وليس سبب هذه المحرقة، كما تزعم “إسرائيل”، صواريخ المقاومة، فالمحارق شرط أساسي في إستراتيجية “إسرائيل” لإدارة صراعها الوجودي مع العرب، ولنتذكر هنا، كيف أن العصابات الصهيونية قد أبادت قرى فلسطينية بأكملها قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، للتمهيد لإقامة هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، وكيف واصل إبادته بعد قيامه.
وأمام هذه المحرقة بحق الشعب الفلسطيني، فإن القانون الدولي يجب أن يشغل دوراً مهماً ويتصرف بمسؤولية عالية، والدول العربية مطالبة بالضغط على المجتمع الدولي لتطبيق معاييره وقوانينه الخاصة بحقوق الإنسان وغيرها من التشريعات التي يفترض أن تسري على جميع الدول، فمن غير المنطقي أن يتوقع العالم من الفلسطينيين الاقتناع بالقانون الدولي بدون أن يكون ملزماً ضدّ الجرائم الإسرائيلية التي تحظى بالحماية والدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي الغربي.
إن من يتابع أخبار فلسطين يرى مدى الظلم الواقع على تلك القطعة الصغيرة من الأرض، فلا يمكن أن يتذكر ما يُسمّى “محرقة اليهود”. ذلك أن تاريخ “إسرائيل” مع العرب بشكل عام ومع الفلسطينيين بشكل خاص، هو تاريخ متخم بالمحارق المتواصلة، منذ مجزرة دير ياسين مروراً بمذبحة مدرسة بحر البقر وكفر قاسم ومجزرة قانا وصولاً إلى المجازر اليومية في قطاع غزة والضفة الغربية.