قراءة في المجموعة الشعرية “على ضفة النهد”
تراتيل البوح اختمرت بقصائد فادي مصطفى “على ضفة النهد” مجموعة شعرية صدرت عن دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع، وقد ضمّت المجموعة بين جوانحها 105 قصائد من الشعر العمودي، حيث كتب الشاعر في المقدمة في وضوء الروح ينقصني جفاك فلن يكون القول إلا عن حلاك أو ثراك أو سماك، لا تلومي عاشقاً يرجو وصالاً أنت عمري والهوى، أنت أنات الجوى.
حينما قرأت المجموعة وجدت نفسي أمام بحور الشعر وهي تغرقني بالجمال والسحر واللغة الإبداعية والتقنية الشعرية المكتنزة بالأفكار، فقد خلق حالة للمزاوجة بين الواقع والخيال كما هو لخلق مناخات متنافرة تبحث من خلالها عن خلق خصوصية توضح عمق الذات فكان العنوان رسالة ودلالة صوفية ورمزية للوجود البشري والغوص في غمار العشق الذي بدأ بقصيدة “نفحت بروحي” حيث قال الشاعر:
إني عشقتك واكتفيت نساء
أنت النصيب وفيك ربي يشاء
وكأن كل العاشقات ترملت
قولي لهم نبض لقلبي جاء
أحجمت عنهم فالحرائر أنشبت
في الأرض تنبش والغبار أساء
أطلقت كل مشاعري لقصائدي
فاح القصيد وعن سواها فاء
إنه نص المعنى حيث يكتشفه المتلقي خلف الفكرة المطروحة في القصيدة، وتتصف مفردات الشاعر بلغته الخاصة التي تتصف بالهدوء والرومانسية في بعض الأحيان، وقد تنوعت قصائد المجموعة بعدة جوانب منها الوجدانية والاجتماعية والألم والأمل الذي اعتمدها الشاعر، فكانت الحركة الزمنية والصورة التي تشكل سيمفونية العشق والتكثيف الشعوري، فنراها واضحة في غالبية القصائد ومن قصيدة “على ضفة النهر” يقول الشاعر:
ياويلها ابتليت وفي شيء تجهله
أنا لها أسد في الحر والبرد
ما كنت أحسبها فيما رأيت بها
مثل الرياح أتت للحب والسعد
فالليل أصبحنا والصبح موعدنا
ماكان في أمل صبحا على الوعد
فلكل حقيقة إيقاعها الوجودي ونغماتها الكونية وتحولات الحياة وتطورها ونضوجها وفناؤها ليس إلا عبارة عن معزوفات كونية وإيحائيات شعرية بجمل بلاغية ورمزية حاول الشاعر من خلال فلسفة النص الشخصية في الحياة والتي تخلق وترسخ في القلب والوجدان قدرة الاشتقاق وخلق فكر إبداعي مبني على عمق الذات، وفي قصيدة “مناجاة” يقول الشاعر
ناجيتها ولهيب الشوق يشتعل
والصدر يغلي ونبض القلب يبتهل
والروح في سكرات تستجير بها
والعين تفضح ما أخفيه والمقل
شوقي إليها كما الأزهار في عطش
لقطرة الماء لو في الصيف تنبتل
هذه المجموعة يمكن تقسيمها إلى الزمني والمكاني والسيكلولوجي الذاتي ففي الزمني كانت القصائد: ميلادي، كأنها مطر، ياغافلة، بعض شعري.
وفي المكاني كانت القصائد: ثغر التمني، هطول النور، تمسكت بأصابعي، تصيغ بياني، مناجاة
وفي السيكلولوجية كانت القصائد: نفحت بروحي، أقدارنا، متأمل، صفير الريح، بحر شعري، هذا بمجمله يدل على رؤية فلسفية وإنسانية والواقعية التي تعبر بأن الشاعر يحصر الوجود في الراهن ونرى التكثيف الشعوري فنراها واضحة في غالبية القصائد وفي قصيدة “صفير الريح” يقول الشاعر:
ماكانت الآهات تشكو غربتي
ما كنت أبحث في المخابرات دوا
ملأت طريقي بالزهور وغادرت
جعلت كياني والمهالك في السوا
هي لم تكن في الغيب ترضى مرة
والصبر غصبا من دوائرها ذوى
لقد تباينت معايير نصوصه من خلال إضفاء فيض من الحيوية والنبض والدهشة، فقد جاءت القصائد لتفتح روح الشعر وتنطلق معه نحو عوالم الحب والعشق والجمال، هناك كم هائل من المشاعر المدفونة بين دفتي الكتاب فهي المرأة التي تثير وتثار تصنع الحب ويعبق عطره، وفي جانب آخر يظهر التمرد النفسي والشعري في قصيدة “موجعي” يقول الشاعر:
إني أنا المحزون في وجد رمى
نسمات ليلي في كسور الأذرع
وعجزت أن أخفي نجوماً ترتدي
من وصفها في حين كانت تدعي
القصيدة العمودية هي التي تجعل من عمود الشعر سراجاً ينير النص بتموجات وجدانية وانعطافات نفسية قادته للتكرار في بعضها مثل كلمة الشعر، قلبي هو تكرار متعمد في المجموعة مرده الإيقاع السريع للألفاظ والكلمات مع كثافة الصور.
الملاحظ في شعره الموهبة الفطرية وتلاقحها مع موهبة الذكاء والصناعة كما هو واضح. وختاماً يمكن القول إن الخصائص الفنية للمجموعة تتجلى في وحدة الموضوع وتنويعاته.
هويدا محمد مصطفى